مرّت سنوات طويلة ونحن نحاول أن نقلل معدل البطالة، ونبتكر الفكرة تلو الفكرة، مرة نقول بتوطين الوظائف، ومرة نطالب بالسعودة، وثالثة نخترع نظاماً ملزماً على الشركات والمؤسسات الوطنية بأن لا تقل نسبة المواطنين عن كذا بالمئة، فما كان من هذه الشركات التي لا تحتاج إلى حاملي الشهادات النظرية إلا أن وظّفت مواطنين بشكل وهمي، ففي القوائم يُوجد سعوديون، وفي الواقع ينام هؤلاء على مخدات من شوك وصبر وانتظار! لا نختلف في أن عدد الجامعات في عهد الملك عبد الله، قفز من ثماني جامعات إلى أربع وعشرين جامعة حكومية، وتسع جامعات أهلية، وهذا رقم رائع، لكنه من حيث المخرجات التعليمية فقد لا يخدم احتياجات سوق العمل، ولا أعرف، أو لا أجد سبباً، لعدم تخصيص عدد من هذه الجامعات في المجال الفني والتقني، خصوصاً أننا نسعى بدأب، ومنذ سنوات ليست بعيدة، إلى استثمار المواد الطبيعية الأولية، وتحويلها إلى منتجات وسيطة ونهائية، وذلك لن يتحقق باستقدام الأيدي العاملة، الفنية والمدربة من الخارج، بل لا بد من العمل على تحقيق احتياجات السوق من الأيدي العاملة الفنية الوطنية. ففي مشروعات مهمة، كمشروع رأس الخير، ومشروع الملك عبد الله لتطوير مدينة وعد الشمال، وبما سيتوفر فيهما من بيئة صناعية متطورة، نحتاج إلى العمل مبكراً بتوفير كفاءات بشرية موازية، صحيح أن ثمة معاهد فنية متخصصة تعمل على توفير مثل هذه العمالة، لكن استثمار هذا العدد الكبير من الجامعات (33) جامعة حكومية وأهلية، بتحويل بعضها إلى جامعات علمية، فنية وتقنية متخصصة، سيسهم في توفير كفاءات وكوادر بشرية متميزة، قادرة على تشغيل هذه المصانع مستقبلاً. ومهما اختلفنا حول معدل البطالة، وعدد العاطلين عن العمل، سواء في الأرقام الرسمية التي أعلنتها وزارة العمل وهي مليون عاطل فقط، أو ما أعلنه نظام حافز، من أن البطالة بلغت مليوناً وسبعمائة ألف مواطن، أو حتى ما صرح به الدكتور عبد الله دحلان مؤخراً، من أن هناك مليونين ونصف المليون عاطل عن العمل، ممن يحمل مؤهلات عليا، فإننا لن نختلف على أن المشكلة في الأمر هي في احتياجات سوق العمل، التي لا تتفق مع مجالات هؤلاء العاطلين، والتي تتركز معظمها في مجال الدراسات الاجتماعية والنظرية! ولعل أهم ما في الأمر أن تعمل جميع القطاعات الحكومية، وجميع مؤسسات القطاع الخاص، بروح الفريق الواحد، وأن يرتفع مستوى التنسيق والتكامل بينها إلى أعلى حد، فلا يمكن أن يغرد كلٌ منها في واديه، وتكون النتيجة أن الخريجين يزدادون، والنمو الاقتصادي في البلاد يكبر، ومع ذلك تزداد البطالة عاماً تلو عام، بمعنى أن ثمة خللاً وفجوة تكبر باستمرار، ولن تفيد معها كل القرارات والأنظمة التي تسنّها وزارة العمل، خصوصاً أنه يُوجد لكل نظام فرصة للتحايل والالتفاف عليه.