لا يمكن أن تمر الفيديوهات المريعة التي أظهرت أباً يعذب ابنته التي لم تتجاوز الشهور علي أي أحد، دون أن ينتفض غضباً وحزناً، والحمد لله من قبل ومن بعد، أن توتير موجود وأن الأم متفانية ولم تقعدها قوانين العائلة أو خوف القبيلة (باعتبارها غير سعودية فلا دائرة اجتماعية حولها تضطرها للتنازل!)، فوضعت بشجاعة وبقلب أم نازف هذه الفيديوهات التي أرسلها الأب ليعذبها بها ويثني إرادتها كي تعود له، لكن الغالي توتير أشعل بلادنا الحبيبية بنسائها ورجالها الطيبين، فتحركت الأجهزة خلال ساعات معدودة وأعادت الطفلة لوالدتها، وبدأت الأجهزة القضائية والتنفيذية في التحقيق مع الجاني. يوجد لدينا نظام الحماية من الإيذاء الذي صدر منذ العام 24 /12 / 1434 والذي أكد في مواده المختلفة على تجريم كل أشكال الإيذاء والإساءة الجسدية والنفسية أو الجنسية أو حتى التهديد بها، بل وحتى التقصير في الواجبات الأساسية لشخص آخر أنت ملزم به شرعاً أو ولاية، حيث يمكن أن يدخل ذلك تحت طائلة العقوبة متى ما قررتها السلطات المخولة بذلك. كذلك قامت المملكة باستصدار قانون خاص لحماية الطفل والذي أقره مجلس الوزراء في 3/ 2/ 1436، وفسر الإيذاء فيه كما سابقه بأنه: كل شكل من أشكال الإساءة إلى الطفل، أو استغلاله، أو التهديد بذلك، ومنها الإساءة الجسدية والإساءة النفسية والإساءة الجنسية. بل تعدى ذلك بأن شمل أموراً كانت تواجه أكثر ما تواجه الفقيرات والمطلقات، من مثل عدم استخراج وثائق الطفل الثبوتية، أو حجبها، أو عدم المحافظة عليها، أو عدم استكمال تطعيمات الطفل الصحية الواجبة، أو التسبب في انقطاعه عن التعليم، أو لمجرد وجود الطفل في بيئة قد يتعرض فيها إلى الخطر، أو سوء المعاملة، أو التحرش ولم يفرق القانون في ذلك بين السعودي وغير السعودي. إذن القانون موجود وحق الطفل والمعنف مكفول متى علمت السلطات المعنية بذلك، لكن السؤال متى تعرف ؟ وكيف تعرف ؟ أين لهذا الطفل المعنف في معمة واقع أسري واجتماعي، أوصله إلى حد التعرض للعنف بمختلف صوره ..كيف لهذا الصغير أن يمتلك من المعرفة أو الطاقة العقلية ومن الفهم لحقه القانوني حتى يهرع للسلطات طلباً للحماية؟ أين لهذه الأم المعنفة أو الفقيرة أو الجاهلة، أن تدرك حجم الأذى النفسي والعقلي الذي يقع على أبنائها، من تعنيف أب أو جد أو حتى معلم، لتمتلك من القدرة المادية ( قدرة الحركة والوصول الفعلي)، أو القدرة النفسية أو المعرفية، لتصل إلى السلطة طلباً للحماية ؟ عالم الفقراء المخيف بكل ما يعيشونه من بيئة مادية متهالكة وغذاء غير صحي وتعليم فقير واقعياً ولقمة عيش صعبة وأب مرهق أو مريض أو مدمن أو متوفى .. الخ، من كل الحالات التي نراها حولنا إذا ما رغبنا أن نفتح أعيننا على حقيقية ما يجري على الأرض، كل هذه البشاعات الحقيقية التي تعيش بيننا، لا تمكن هؤلاء المعنيين والذين وضع القانون من أجلهم أن يصلوا لصاحب الصلاحية فيتمكن من حمايتهم فما العمل؟ ما الفائدة من قانون لا يصل إلى مستحقيه؟ كيف نعرف عن الآلاف من الحالات الصامتة التي أخرسها عجزها المادي والمعنوي؟ ما العمل للوصول إلى من يحتاجون الحماية؟ في رأيي أن العمل بنظام الخدمات الاجتماعية الممارس في كل دول العالم المتقدم هو الحل، حيث يتم تسجيل الجميع ممن يعيشون بخط الفقر أو دونه أو ذوي الاحتياجات الخاصة بدنياً أو مادياً، في قائمة الخدمات الاجتماعية والتي يقوم فريق عملها من الرجال والنساء بالزيارات الميدانية للأسر الفقيرة والمحتاجة، لمتابعة أحوالها من كافة الجوانب مادية ودراسية وعلاجية . خلال هذه الزيارات سيتعرف موظفو الخدمات الاجتماعية على الأسر من الداخل، وسيجدون ما يشيب له الولدان سواء تعلق الأمر بالإهمال أو الفقر أو المرض أو الإعاقة أو الشذوذ أو المخدرات . سيجدون الشباب والشابات الذين يتلقفهم الضياع والفقر وسوء الأداء المدرسي وأمراض السمنة وفقر المحيط المادي والثقافي، وهنا، هنا فقط سيكون للقانون فاعليته في حماية من هم في أمسّ الحاجة إلى الحماية. أبناء عالم اليوم ليسوا ملكاً مطلقاً لأهاليهم كما كان الأمر في الماضي . هم أبناء الدولة التي ينتمون إليها وهم الأحق برعايتها إذا لم تتمكن أسرهم من رعايتهم. حالة الطفلة المعنفة كتلك التي رأينا مقاطع تعنيفها يجب أن لا تتكرر في دولة تنتمي للقرن الواحد والعشرين..