في عام 2002 التقط مصور الحروب المعروف باتريك شوفيل صورة لرجل فلسطيني مسن يقف على أنقاض منزله في مدينة جنين بالضفة الغربية المحتلة خلال الانتفاضة الثانية، وبعد أن وضع المصور كاميرته جانبا قدمت له زوجة الرجل فنجان من القهوة وهو ما اعتبره شوفيل "لفتة رائعة من كرم الضيافة، نظرا إلى حالة البيت الذي طمست معالمه". وقد لفتت هذه القصة انتباه الطبيبة والصحفية البريطانية كيت آدامز فاشترت الصورة في عام 2010 ووضعتها على أحد جدران عيادتها بشرق لندن، الأمر الذي كان يثير أيضا انتباه بعض مرضاها من اللاجئين وطالبي اللجوء الذين يأتون إليها ويتساءلون عن سبب وقوف الرجل وسط أنقاض بيته لأنها ليست بالصورة التي يتوقعون رؤيتها على جدار العيادة، لكنها عندما كانت تحدثهم عن القهوة وكرم الضيافة كانوا يتأثرون كثيرا. وتقول كيت في مقالها بصحيفة غارديان "لقد وجدت نفسي أدقق في الصورة مرة أخرى وتساءلت لماذا دمر بيت هذا الرجل؟ فهو شيخ كبير، وهل لا يزال على قيد الحياة؟ وهذا ما جعلني أحاول معرفة ما حدث له، فشرعت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي في البحث عنه". وتحكي: انطلقت إلى جنين وليس معي غير الصورة التي كنت أعلقها في العيادة وبعض الخوف الذي كان يتملكني، لأني لا أعرف العبرية أو العربية، وسافرت إلى تل أبيب ومنها إلى رام الله عبر القدس، ثم ركبت الحافلة من مدينة نابلس بالضفة الغربية عبر طبيعة رائعة من التلال والقرى والمزارع الصغيرة إلى أن وصلت الحافلة إلى محطتها في جنين بسخونتها وصخبها. وبمساعدة جندي فلسطيني وبعض الناس وصلت إلى مسجد الأنصار الذي في الصورة بمخيم اللاجئين في جنين، حيث كانت الشوارع المحيطة بالمسجد مهجورة في حر النهار، وهناك تعرف شخص على صاحب الصورة وأرشدني إلى محل بقالة صغير في الجوار فذهبت إليه وما أن أريت الصورة لصاحبة الدكان حتى ابتسمت وقالت لي "الرجل هو حماي إبراهيم محمد صالح، وهو رجل كبير وصحته ضعيفة، لكنه لا يزال يعيش في المخيم، وكانت أرملة أحد أبنائه السبعة. رابطة قوية وتقول كيت: لم أتوقع أن يكون الأمر بهذه السهولة، لكن هذه المجتمعات بينها رابطة قوية والناس فيها يعرفون بعضهم، أما عن إبراهيم فقد علمت أنه يعيش في شقة تطل على مدافن حي الهداف بالمخيم. ونادى عليه أحدهم لنعرف مكانه فبدت لنا امرأة محجبة من نافذة ودعتنا إلى الدخول وكانت زوجة إبراهيم الذي كان يقف خلفها، وفورا تعرفت على كوفيته من الصورة وضحك ابنه الأصغر محمد وهو يشير إلى أبيه في الصورة. الذكرى السنوية الـ16 لاندلاع انتفاضة الأقصى (الانتفاضة الثانية)(الجزيرة) ووجدت في إبراهيم هيئة الرجل الهرم بعصاه التي يتوكأ عليها ولم يكن متفاعلا معنا لأنه كان يعاني مشكلات في الذاكرة كما علمت. وتقول كيت إنها تبادلت حديثا طويلا مع أهل البيت واستمتعت بحسن ضيافتهم مع فنجان قهوة بنكهة حب الهيل الجميلة. وتحكي لها رسمية زوجة إبراهيمأنها تزوجته بعد عام من وفاة زوجته الأولى قبل 24 عاما وعدت على أصابعها 33 هم عدد أحفادها و21 عدد أبناء الأحفاد، وقالت إن إبراهيم كان يعمل بائع خضروات متجولا وتقاعد في أواخر السبعين من عمره وهو الآن في الـ96 من عمره. واسترجعت رسمية في ذاكرتها أحداث الصورة التي التقطت عام 2002 وإقناعها لزوجها بمغادرة البيت بعد نشوب معركة جنين خوفا على حياتهم وكيف شقت الجرافات الإسرائيلية المدرعة طريقها عبر المخيم ودمرت في طريقها المنزل وكيف انهارت عندما سمعت خبر تدميره وبعدها عادوا وكانت الصورة التي التقطت وإبراهيم جالس فوق أنقاض بيته. وختمت كيت مقالها بأن التوترات في المخيم تثور من حين لآخر، وأن الموقع الذي التقطت فيه الصورة الأصلية مزين بصور الصبية والشباب الذين قضوا نحبهم في السنوات الأخيرة.