×
محافظة المنطقة الشرقية

مركز التنمية بالرياض ولجنة الخالدية يختتمان برامجهما التدريبية

صورة الخبر

نزل قرار الرئيس الأميركي المنتهية ولايته باراك أوباما الذي رفع بموجبه العقوبات جزئياً على السودان برداً وسلاماً على حكومة الخرطوم، فقد جاء في وقت عصيب، بعد أن يئست الحكومة من رفع العقوبات، وأُحبطت بعد أن جددها أوباما لعام جديد بدأ من مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. يأتي إعلان رفع العقوبات الأميركية بشكل جزئي ومؤقت؛ ليصرف النظر ويطغى على حدثَين سلبيين سيطرا على تناول وكالات الأنباء ووسائل الإعلام للشأن السوداني خلال الأيام الماضية؛ الأول يتعلق بفضيحة أحد موظفي بعثة السودان في نيويورك اتُّهِم بالتحرش بمواطنة أميركية، فيما يرتبط الحدث الآخر بصحة الرئيس عمر البشير، الذي ذكرت الأنباء أنه خضع لقسطرة استكشافية بأحد مشافي الخرطوم قبل يومين. سيطر نبأ رفع العقوبات على الصحف والفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي، والناس ما بين مصدق ومكذب بسبب استمرار الحصار الاقتصادي لما يزيد على 20 عاماً؛ حيث بدأ مسلسل العقوبات الأميركية على السودان منذ عام 1997 بعد أعوام قليلة من تسلّم الرئيس الحالي عمر البشير مقاليد الحكم بانقلاب عسكري على حكومة الأحزاب المنتخبة. تبنى النظام الجديد آنذاك سياسة عدائية كان يقودها الراحل حسن الترابي، الأب الروحي للحكومة التي عُرفت باسم "حكومة الإنقاذ"، أدت تلك السياسات إلى عزلة السودان عربياً ودولياً؛ بل إن بعض الدول المجاورة قطعت العلاقات مع الخرطوم بعد تورط الحكومة في محاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، والتدخل في شؤون دول أخرى مثل إريتريا وأوغندا وتشاد. الأمر الذي أصدره باراك أوباما في آخر أسبوع له قبل تسليم السلطة إلى الرئيس المنتخب دونالد ترامب، يمكن وصفه بالهدية وطوق النجاة للنظام السوداني؛ إذ انحدرت الأوضاع الاقتصادية مؤخراً إلى درجة عالية من السوء، وصل معها سعر الدولار إلى ما يقارب 20 جنيهاً سودانياً، وفشلت جميع الخطط الرامية إلى استقطاب ودائع المغتربين بعد أن حاول البنك المركزي تعديل قيمة الصرف إلى سعر أقرب لسعر السوق السوداء، إضافة إلى عجز الحكومة عن سداد التزامات دولية، أدى هذا العجز إلى تعطل عدد من المشروعات، من بينها مشروع المطار الجديد الذي كان يفترض أن تموله الصين، بجانب توقف عدد من مشروعات السدود والكهرباء. إذا أردنا أن نحلل أسباب صدور هذا القرار الذي فاجأ حكومة البشير نفسها، فإن التعاون الذي أبداه السودان مع المخابرات الأميركية في مجال مكافحة الإرهاب والاتجار بالبشر يتصدران أبرز التفسيرات التي جعلت أوباما يصدر القرار في الأيام الأخيرة قُبيل مغادرته البيت البيضاوي. سودانياً يُنسب هذا التعاون بالدرجة الأولى إلى مدير جهاز المخابرات السابق صلاح قوش، الذي يعتبره البعض "جنرال مكافحة الإرهاب" في السودان، وهو الذي قاد بداية المفاوضات مع الجانب الأميركي، عندما أُرسلت إليه طائرة خاصة أقلَّته من مطار الخرطوم إلى واشنطن؛ ليتواصل بعده التعاون بين الجانبَين في تبادل المعلومات للحد من الأنشطة الإرهابية في المنطقة. بجانب ذلك، لا يمكن إنكار الدور الذي بذلته الدبلوماسية السودانية في تحقيق الإنجاز، المتمثل في تجميد العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان، التي من بينها حظر المعاملات الحكومية، والاستثمار الأميركي في السودان، وفك تجميد الأرصدة لمدة ستة أشهر، يتم بعدها تقييم مدى التزام نظام البشير بما يتصل بمكافحة الإرهاب، والحدّ من دعم المتمردين في دولة جنوب السودان، فضلاً عن إشاعة الحريات ومراعاة قضايا حقوق الإنسان. القرار الأميركي وإن كان مؤقتاً وجزئياً لم يشمل رفع الحظر عن تصدير الأسلحة والمعدات العسكرية، إلا أنه يمنح الحكومة فرصةً لا تعوض مدتها ستة أشهر من أجل تغيير الأوضاع، والعمل على تحسين صورتها التي ارتبطت في الأذهان بالقمع والتنكيل وارتكاب جرائم حرب، إضافة إلى الفساد المستشري والتصريحات غير الموفقة للمسؤولين؛ حيث وصف الرئيس البشير في خطاب له قبل شهرين، أميركا بـ"البلد العدو"، وإلى وقت قريب كان النظام يتبنى شعارات معادية للولايات المتحدة ولدول الغرب على شاكلة "أميركا وروسيا قد دنا عذابهما"! في تقديرنا، يجب أن تلتقط حكومة الخرطوم القفاز، وتعلن عن إصلاحات سياسية بصورة عاجلة، تتضمن إطلاق سراح جميع المعتقلين فوراً من دون قيد أو شرط، يتزامن ذلك مع تعديل قانون الأمن الوطني، وزيادة هامش الحرية، ووقف مصادرة الصحف والرقابة القبلية التي تتعرض إليها، مع فتح المجال أمام القوى السياسية لإقامة أنشطتها وندواتها دون أن يتطلب الأمر استصدار إذن من الجهات الأمنية، كما هو متبع حالياً، وفوق ذلك يجب ضبط الخطاب الحكومي وتصريحات المسؤولين التي كثيراً ما تحرج الدبلوماسيين الذين يسعون بإخلاص إلى إصلاح علاقات السودان بالدول والمنظمات العالمية. يتعين أيضاً أن تبادر الدولة بتشكيل حكومة طوارئ رشيقة بدلاً من الحكومة المترهلة الموجودة حالياً، التي ربما يزيد عدد أعضائها لاستيعاب القوى السياسية التي شاركت في "الحوار الوطني" الذي اتضح أنه لم يلبِّ تطلعات الشعب السوداني، المتمثلة في تعديل القوانين المقيدة للحريات، وإصلاح أجهزة الدولة، فضلاً عن تحقيق السلام والاستقرار. كما أن هناك حاجة إلى تغيير الطاقم الذي يدير القطاع الاقتصادي؛ إذ ثبت فشله وعدم مقدرته على معالجة الأوضاع، قلناها من قبل ونقولها ثانية لا بد من الاستعانة بالكوادر السودانية من "التكنوقراط"، كما فعلت الجارة إثيوبيا التي أصبحت واحدة من أعلى الدول نمواً في إفريقيا، ميزة الكوادر غير المنتمية سياسياً أنها لا تطمع في البقاء في السلطة، أو تكوين كيانات وعشائر من أجل الزعامة أو أهداف أخرى. بالقدر نفسه، ينبغي على المعارضة التحلي بالقيم الوطنية، وعدم السعي لإجهاض القرار الأميركي الذي ستتم مراجعته بعد 180 يوماً؛ إذ إن المرحلة تتطلب النظر إلى المصالح العليا للسودان الوطن، وليس إلى المصالح الحزبية الضيقة، فقد ثبت أن الشعب السوداني كان الأكثر تضرراً من هذه العقوبات والحصار الجائر، بعكس أهل السلطة ومنسوبي الحزب الحاكم الذين لم يتأثروا كثيراً بالعقوبات التي استمرت لأكثر من عقدين من الزمان. لن نُسرف في التفاؤل، ولن نتوقع أن تحدث معجزة بسبب القرار الأميركي المشروط، خصوصاً أنه لا يلغي اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، كما أنه لا يعفي الحكومة من مسؤولية ما يعتقد أنها جرائم ارتكبت في دارفور؛ لذلك فإن الحديث عن هبوط سعر الدولار إلى ما دون النصف يبدو غير منطقي لقلة الإنتاج ولعدم وجود موارد نقدية لدى البنك المركزي، وبنظرة واحدة في هذا الجانب إلى الجارة مصر التي لم تكن تعاني من حظر أو عقوبات أميركية، رغم ذلك فسعر الدولار فيها يماثل سعره في السودان. أخيراً، ظلّت الحكومة السودانية تلقي بفشلها وإخفاقاتها على العقوبات الأميركية في كل الخطابات التي يلقيها المسؤولون "بمن فيهم الرئيس البشير"، ها قد رُفعت العقوبات ماذا أنتم فاعلون في الـ200 مليون فدان الصالحة للزراعة، وفي المؤسسات التي دُمرت مثل الخطوط الجوية السودانية "سودانير"، ومشروع الجزيرة، إلى جانب سكك حديد السودان، ومشروعات التعدين الضخمة وغيرها؟.. الكُرة في ملعبكم الآن، لننتظرَ ونرَ! ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.