تنصرف الإدارة الأميركية الجديدة لترتيب أوراقها لمفاوضات جنيف المرتقبة في الثامن من شهر فبراير (شباط) المقبل، ولا تجد نفسها معنية كثيرًا باجتماع آستانة الذي دعت إليه موسكو بالتنسيق مع أنقرة ممثلين عن النظام السوري وفصائل المعارضة لتثبيت الهدنة ووقف إطلاق النار في سوريا. ففي الوقت الذي وضع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمس حدًا للمعلومات المتضاربة حول دعوة تم توجيهها لواشنطن للمشاركة في محادثات كازاخستان في 23 من الشهر الحالي، مؤكدًا توجيهها، اعتبر دبلوماسيون ومعارضون سوريون، أن موسكو تسعى بذلك لحصر دور الولايات المتحدة كضيفة في «آستانة» بعدما كانت هي في وقت سابق القائدة الفعلية للملف السوري. ومن المقرر أن يتولى الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب مقاليد السلطة في واشنطن في الـ20 من يناير (كانون الثاني) الحالي، على أن تنطلق بعد ذلك بـ3 أيام المحادثات في عاصمة كازاخستان، ما يجعل من الصعب على واشنطن الدخول طرفًا فاعلاً في هذه العملية، وترجح فرضية الانصراف للاستعداد لمفاوضات جنيف. وبحسب مصادر في المعارضة السورية مواكبة للتحضيرات الحالية لاجتماع آستانة، فإنه «وفي حال قررت إدارة ترامب إرسال ممثلين عنها إلى كازاخستان فلا شك أن هؤلاء سيكونون بمثابة مستمعين، لا أكثر ولا أقل، خاصة وأن الإدارة الأميركية الجديدة لم تبلور حتى الساعة سياسة واضحة لكيفية التعاطي مع الملف السوري بعد مرحلة من (الانكفاء) أرادها الرئيس السابق باراك أوباما محجمًا بذلك الدور الأميركي في منطقة الشرق الأوسط ككل على حساب الدور الروسي». وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط»: «لا شك أن المشاركة في آستانة أو عدمها ستعطي إشارة واضحة حول التوجهات الجديدة للإدارة الأميركية التي نرجح أن تكون تنتظر ما سينتج عن هذه المحادثات لتبني على الشيء مقتضاه». ورأى محمد مكتبي، عضو الائتلاف السوري المعارض أن «المواقف الأميركية المترددة التي طبعت سياسة أوباما في المرحلة الماضية كما الدور الأميركي المحدود في المحادثات الثنائية الأخيرة التي تمت بين واشنطن وموسكو بخصوص سوريا ولم تؤد إلى أي نتيجة تذكر، كلها حجّمت من موقع الولايات المتحدة الذي بدا أشبه بموقع دولة صغيرة كلوكسمبورغ تقف على هامش السياسة الدولية»، مشددًا في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على أن «أميركا بكل تاريخها لم تتراجع هيبتها كقطب عالمي أوحد كما في ولاية أوباما». واعتبر مكتبي أنّه «وعلى الرغم من كل الأداء السيئ لأوباما، فإن الثنائي الروسي – التركي يعي تمامًا أن استبعاد أي طرف مؤثر بالأزمة السورية سينعكس سلبا على نتائج مفاوضات آستانة، فكيف إذا كان هذا الطرف الولايات المتحدة الأميركية». وأضاف: «حتى الساعة لا شيء محسومًا أو واضحًا بخصوص قبول واشنطن الدعوة التي وجهت إليها للمشاركة في لقاء كازاخستان، علما بأن حضور ممثلين عنها وإن حصل سيكون رمزيا، على أن تُتم الإدارة الجديدة جهوزيتها للتعاطي مع الملف السوري في المفصل الثاني الأساسي من المباحثات في جنيف». ولفت مكتبي إلى أن «كل المؤشرات والمعطيات تدل على الإدارة الأميركية الجديدة لن تنتهج سياسة الإدارة السابقة في التعامل مع ملفات المنطقة وعلى رأسها الملف السوري، علمًا بأنّه يبقى من غير الواضح حجم التغييرات المرتقبة ومداها». ويوافق رياض طبارة، سفير لبنان السابق في واشنطن مكتبي برؤيته إلى حد كبير، معتبرًا أن «سياسة أوباما سحبت أميركا من العالم ومن منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص بعدما كان لها الدور القيادي، فإذا بالروس اليوم يتعاملون معها كأي دولة ثانوية من خلال الاكتفاء بإرسال دعوة لها كالحضور كضيفة في آستانة». وأشار طبارة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنّه وبمقابل سياسة الانكفاء التي انتهجها أوباما، «لا تزال سياسة ترامب لمنطقة الشرق الأوسط وسوريا غير واضحة تماما خصوصا في ظل التضارب في مواقف المسؤولين الأميركيين الجدد، كما في مواقف ترامب نفسه». وقال: «يتحدث الرئيس الأميركي الجديد عن أنّه سيحاول إبعاد إيران وتقليص دورها، وفي المقابل يعلن أنّه سيتعاون مع روسيا، من ثم يقول إن أولويته التنسيق والتعامل مع الدول السنية في المنطقة وعلى رأسها المملكة العربية السعودية وتركيا، وفي الوقت عينه لا يرى بإسقاط النظام السوري إحدى أولوياته أو أهدافه». وشدّد طبارة على أن تسلم موسكو الملف السوري في المرحلة الحالية لا يعني قدرتها على المضي به إلى النهاية، لافتًا إلى أن «من مصلحة روسيا أن تقدم الولايات المتحدة لها المساعدة، خصوصًا أنها (أي روسيا) تبقى بالنهاية دولة فقيرة ذي اقتصاد متعب، شرط أن تضمن الإبقاء على موطئ القدم الذي رسخته أخيرًا في سوريا».