في وقت يعيش العالم دورة اقتصادية أثرت بشكل كبير على الشركات ورجال الأعمال وتوفر السيولة وفي ظل تأثر المملكة بهذه الدورة، لا تزال الأندية السعودية منفصلة تماماً عن الواقع الاقتصادي، وظلت تبرم العشرات من العقود المليونية خلال العام الماضي فيما كل المؤشرات تقود للقول إن الصرف في العام الجاري ٢٠١٧ سيظل على الوتيرة ذاتها من دون تغييرات جذرية أو حتى نسبية. أهم معالم سوء الإدارة المالية في أنديتنا هو عدم تأثر أسعار عقود اللاعبين السعوديين بهذه الأزمة واستمرار المسؤولين في إغداق الأموال على عقود اللاعبين وكأنهم في سباق من أجل تحطيم الأرقام القياسية، فمن يصدق أن قيمة عقد لاعب سعودي بالكاد يشارك في خمس مباريات بصفة أساسية يتراوح ما بين سبعة إلى تسعة ملايين ريال سنوياً؟ ومن يصدق أن الأندية التي بدأت تفقد رعاتها وأصبحت تتوسل الشرفيين للحصول على جزء من ما يقدمونه سابقاً من دعم، ما زالت تفاوض اللاعبين بأرقام فلكية تساوي أو ربما تزيد على مبالغ عقودهم السابقة. الأمثلة كثيرة والأسماء معروفة، فمثلاً الحارس الشبابي محمد العويس يطمح للحصول على عقد مجزٍ يعوض به العقد الذي وقعه مع الشباب براتب شهري قدره 15 ألف ريال وهذا من حقه فهو يستحق عقداً أفضل لكن الحديث عن أرقام بعشرات الملايين للحصول على خدماته لأربعة أو خمسة مواسم لا يبدو منطقياً، خصوصاً وأن مقياس قيمة اللاعب حتى الآن لا يتجاوز تألقه في بعض مباريات فريقه وانضمامه على فترات متقطعة للمنتخب الأول، فكيف ستكون قيمة عقد الحارس الشاب لو كان عنصراً فاعلاً في تحقيق المنجزات والبطولات لفريقه وللمنتخب السعودي. الأمر ذاته ينطبق على لاعب وسط الهلال سلمان الفرج الذي يطالب بمبالغ كبيرة -أكبر من قيمة عقده الذي سينتهي قريباً- من أجل تجديد ارتباطه بفريقه في وقت يمر فيه الفرج بأوقات عصيبة في مسيرته الكروية بعد الانخفاض الكبير في عطاءاته وتلقيه العديد من الانتقادات الحادة بعد تراجع مستوياته، ومع ذلك يطالب اللاعب ذو الـ٢٧ عاماً بمبالغ فلكية من أجل البقاء في الهلال وهو يعلم أن الأندية لن تقدم له أرقاماً أفضل مما سيقدمه ناديه الذي احتضنه منذ بداياته. لا يمكن إغفال ملف تخصيص الأندية والذي تم إقراره من رأس الهرم في المملكة، إذ ان الارتباط باللاعبين بأرقام فلكية عامل جذب للمستثمرين، والمؤسف هنا أن صناع القرار داخل الكيانات الرياضية لا يدركون خطورة وتبعات الإقدام على مثل هذه الخطوات التي ستكون بمثابة تكبيل وتقييد لأي مستثمر يبحث عن الحصول على عوائد مالية نظير استثماره في الأندية، فارتفاع المصروفات سيجعل جني الأرباح أمراً في غاية الصعوبة حتى وإن ارتفعت الإيرادات. الأندية أمام خيارين أحلاهما مُر، فإما التخلي عن بعض اللاعبين في سبيل الترشيد والتعقل في إبرام العقود أو الاستمرار في ذات النهج الذي سيكون مآله إلى غرف فض المنازعات بين الرياض وزيوريخ، وبوسع المسؤولين عن المفاوضات مع اللاعبين اللعب على ورقة غياب المنافسين القادرين على تقديم الأرقام المليونية، والحديث هنا بشكل عام وليس عن أسماء بعينها، فالكل يعلم أن النصر والاتحاد أصبحا خارج منظومة المنافسة المالية، بجانب الشباب الذي لم يعد قادراً على الوفاء بالتزاماته تجاه أجور لاعبيه فضلاً عن التعاقد مع لاعبين جدد، إذ تصارع هذه الأندية من أجل تسديد مديونياتها وتقليص نفقاتها، ليبقى الأمر محصوراً خلال هذه الفترة بين الهلال والأهلي اللذين لا يريدان الدخول في نفق الديون المظلم، ما يعني أنه بإمكان هذين الناديين - بعيداً عن السباق على خدمات الحارس العويس- التحكم بعقود لاعبيهم عند انتهائها والحديث بمنطق القوة، وعندها ستكون أسعار العقود الفلكية شيئاً من الماضي.