الأكثرية في وسائل التواصل يعتمدون فيما يقدمون من مقاطع مختلفة تعنى بالتربية, والتطوير الذاتي, وحل مشكلات الأفراد المختلفة على مرجعيات مجتمعات ذات بيئات, وثقافة, وقيم أخرى مختلفة كثيراً عن مرجعياتنا عند تقديم مشورتهم, أو تقديم نماذجهم, أو في تحليل مواقف مختلفة يراد من المتابع لها في هذه البرامج أن يتأملها, ويتفكر فيها بهدف أن يحتذي بها, ويتخذها نموذجاً لحله ما يواجه من مشكلات مشابهة سواء في التربية, أو التعليم, أو التنشئة, أو ممارسة الحياة باختلاف وقائعها ومواقفه منها, وهي مفرغة من أسس ترتبط بواقع مختلف, وقيم مختلفة, لا يشترك فيها بين ما يقدمونه, وما يعيشه, هذا المتابع لهم, بينما لا بأس عند حدود أن تكون المادة التي يختارونها, ويعرضونها تتعلق بالمشتركات الإنسانية العامة, سواء في الخبرات, أو الممارسات ما يساعد في استخدام الوسائل الحديثة لتقييم المنتج في الإنجاز, والإضافة الفاعلة لتطوير المهارات. أما فيما يعرض مشكلات, أو مواقفَ, أو نهجاً في مجتمعات أخرى لا تتواءم حلولها وأساليبها مع نظيرها في مجتمعنا جراء تنشئة تختلف, ومعطيات متغايرة, وثقافة أبنيتها العقدية, والفكرية والحضارية مختلفة، فإنّ فيما يكرسونه من النقل ما يساعد على استدراج الميول, والعقول بل القلوب لتهفو إلى الانعتاق التدريجي فالكلي من الهوية الذاتية, والتمايز النوعي, بالتقليد والاقتداء فالسلوك والتمكن, فالانسلاخ الكلي فكراً وسلوكاً.. يشبه هذا ذلك التكريس الذي فعلته اللغة الأجنبية حين هيمنت على الألسنة بجعلها لغة التجارة, والعلم, والصناعة, والطب حيث خطط لهذا ونفذ على مراحل طويلة من الزمن لم يواجه من أهل اللغة مواقف مضادة فاعلة... كذلك هذا التكريس كالذي عُمل عليه بتمكين أنموذج الغربي القوي, الناجح, المتفوق فاندحرت الهمم أمامه, ولهث العربي وراءه لهث التابع, هو يبني ذاته, وينتج, والعربي يتبعه, ويستهلك..! والتاريخ يشهد بما لا تستوعبه سطور ذات عدد أحرف محددة..!! إذ لا نزال نحتاج إلى التخلص من رداء الأجنبي, وتحجيم نموذجه, وتقليص جداول الانبهار به وقد تكشفت غاياته, وأشرقت الشمس على خبايا ليله, وخططه المدمرة ليس فقط الأوطانَ, وتفتيت المجتمعات البشرية في الدائرة العربية المسلمة, بل الإنسانَ الفردَ ليكون مسخاً لما يريدون.. لكن مع هذه الفئة التي تكرس للنماذج الغربية المختلفة, فإننا نجد هناك شباباً واعياً يقدمون الرحيق الشذي من أفكارهم, وطروحاتهم في معالجات لما يشاهدونه من عموم سالب, ويضيفونه لجميل موجب, بما يستحق شد الكفوف على كفوهم, والتوجه إليهم بالانتباه, والمتابعة وهم يمارسون بوعيهم الاجتهاد في تسخير وسائل التواصل بين أيديهم للنقد الهادف للواقع العام, سواء في سلوك الأفراد مع الحياة اليومية, وقوانينها, وأنظمة حمايتها, أو حتى فيما يخططون لمستقبلهم , وينهجون فكراً نحو توجهاتهم, بل في مختلف مجالات يحتاجون فيها للرأي الحكيم, فيقدمه هؤلاء الشباب الذكي الواعي بصدق, وحب وانتماء.. فلهم من هنا تحية وتقديراً, شبابنا الذين جعلوا من برامج, ووسائل, وأقنية, وتطبيقات وسائل التواصل سبلاً للتطهير, والتوعية, والبناء, والتنوير والتمكين لأسس أمة قوام أخلاقها , وبنية أفكارها علماً نافعاً, وفضائل قيمة, وطموحاً نحو نجاحٍ بنَّاءٍ, وحياة سليمة, وسلام عام مع النفس ومع غيرها.. رسل الخير والنجاح هؤلاء ليكونوا قدوة في صنع شراكة إنسانية من جهة, وتميز ذاتي من جهة أخرى.