«وزير سابق»، لقب اعتاد السعوديون أن يطلقوه على شاغلي الكراسي الفارهة المغادرين، بغمز أو حسن نية، إلا أن تحولات عدة كشفت أن صفة «السابق» يمكن التحرر منها على نحو يكتسي طابع «العالمية» أحياناً، في حال وزراء كثر، آخرهم محمد العيسى ويوسف العثيمين وبندر حجار، بوصفهم تجاوزوا اللقب «غير المحبذ» إلى مناصب أبعد تأثيراً. وفي وقت كان فيه مجلس الشورى، أكثر الجهات استقطاباً لهذه الشريحة من الوزراء ومن في حكمهم، شكلت المنظمات ذات الطابع الدولي، التي تتخذ من السعودية مقراً لها، هذه المرة مسرحاً لنشاط أولئك الوزراء السابقين، بعد أن رشحتهم بلادهم لشغل أعلى المناصب فيها، إذ كان حجار رئيساً للبنك الإسلامي للتنمية، ومحمد العيسى أميناً عاماً لرابطة العالم الإسلامي، ويوسف العثيمين أميناً أيضاً لمنظمة التعاون الاسلامي. وكان الوزراء الثلاثة، وإن حلوا بديلاً عن مواطنيهم في تلك المنظمات، إلا أن محللين علقوا عليهم آمالاً بتجديد دماء المنظمات التي شغلوها، خصوصاً رابطة العالم الإسلامي، التي قالت مصادر فيها إن العيسى، بصدد إعادة هيكلة عملها لتكون أكثر قوة، في مجال اختصاصها. إذ كان الرجل واحداً من فرسان الإصلاحات القضائية الصعبة، التي قادتها بلاده في السنوات العشر الماضية، فيومها، قام بما يشبه الثورة في المؤسسة العدلية، أتت على كل المفاصل، وجعلت الذي كان مستحيلاً وضرباً من الخيال ممكناً، في سرعة إنجاز القضايا، وتمكين المرأة، وتخفيف القيود عليها، وضرب الفساد في الدهاليز. بينما كان حجار واحداً من الوزراء القلائل في السعودية، الذين يعملون كثيراً ويتكلمون قليلاً، فهو إلى جانب خلفيته الاقتصادية في العاصمة الاقتصادية (جدة)، كان بين مؤسسي أول جمعية لحقوق الإنسان في البلاد، ترأسها فترة، واستطاع وزملاؤه حينئذ رفع سقف خطابها، للدفاع عن قضايا استثنائية، لكنه استطاع بمهارة نادرة، أن يحتفظ على رغم ذلك بشعرة معاوية بين ما يطالب به، وما تفرضه السلطات من أنظمة، لافتاً مرة، إلى أن ما يمكن إصلاحه عبر الخطاب التصعيدي يمكن تحصيل أضعافه باتباع سياسة اللطف، «وخذ وطالب». وما هي إلا سنوات حتى غادر الجمعية إلى السلك الرسمي، متنقلاً بين مجلس الشورى ووزارة الحج، قبل أن يغدو رئيساً للبنك الإسلامي للتنمية، الذي يوصف بأنه أنجح مؤسسة إسلامية، أبقت على أمل يكاد ييأس منه، في إنجاح العمل الإسلامي المشترك، كما أن بين دولها نحو 15 دولة في ذيل قائمة الكون التنموية، ما يجعل تحدياتها أكبر من نظيراتها الأوروبية والأميركية. في حال الوزير الثالث، العثيمين، سيكون التحدي مضاعفاً، فعلى رغم بلائه الحسن في ما يتردد يوم أن كان وزيراً للشؤون الاجتماعية، واتكائه على خلفية ثقافية وبحثية لافتة، إلا أن وضع المنطقة الإسلامية، خصوصاً الشق العربي منها بعد الثورات العربية، وهو الذي اسندت إليه قيادة منظمة التعاون الإسلامي، سيكون مهمة انتحارية، حتى سلفه ورفيقه أيام الوزارة إياد مدني، سريعاً ما أطاحت به تضاريس المشهد الوعرة، حينما أراد مجاراة نكت تتردد نحو رئيس عربي مشهور، فعاجلته المغادرة، وهو لما يزل يحاول إنجاز شيء في ملفات المنظمة الصعبة، التي أنهكت من قبل رجل تركيا القوي إحسان أوغلو. ومثل دول عدة، ينظر إلى المتقاعدين عموماً والوزراء السابقين في السعودية، على أنهم قوة احتياط، تجري الاستفادة من مهاراتها في سياقات عدة، إن كان في القطاع العام أو الأهلي. وفي هذا السياق، ظلت السعودية، تبقي على الكثيرين من أولئك مستشارين غير متفرغين في الديوان الملكي، أو جهات وهيئات، لها اتصال بتخصصاتهم، إذ تصف الجمعية الوطنية للمتقاعدين منسوبيها بأنهم «خبرات تراكمية يحتاجها الوطن». وأحياناً نادرة، يجري «توزير» الوزراء السابقين مجدداً في مثل حال الراحل غازي القصيبي، وكذلك وزير الشؤون الإسلامية الحالي صالح آل الشيخ، ورئيس الهيئة العامة للترفيه أحمد الخطيب، وغيرهم.