منذ فترة ليست بالقصيرة توقفت عن مشاهدة الأخبار في وسائل الإعلام المختلفة، والسبب أن غالبية النشرات أصبحت تنقل مشاهد القتل والانتقام والدم والثارات... في كل يوم نسمع ونشاهد مراهقة الكبار الممجوجة وهم يتحدثون وينشرون خطاب الكراهية ليل نهار. «قوارب الموت» التي تبحث عن الحياة، محملة بالأنفس البشرية، لا تكاد تخلو من النشرات اليومية كذلك، في كل يوم يموت عشرات الهاربين من جحيم العالم العربي متجهين إلى أوروبا بحثاً عن حياة كريمة. بعضهم ينجوا وآخرون يموتون بصمت وسلام من دون أن يذكرهم أحد. وتمر نشرة الأخبار بعد ذلك بسلام للخبر الذي بعده من دون أن ينتبه أحد. غريب، هل أصبحنا في العالم لا نهتم إلا لمن هم وفق جنسيتنا أو مذهبنا أو طائفتنا من دون اعتبار للانسانية؟ هل الإنسانية أصبحت في خبر كان؟ والغريب أننا قبل أن نتعاطف مع المظلوم نتأكد هل هو من الطائفة نفسها... أي بشر نحن إذن، هل أصبحنا عالة على المجتمعات الانسانية؟ من الذي ساهم وأوصلنا لهذه النقطة من البؤس؟ حتى أصبح الغرب يفتح أبوابه للهاربين من جحيم وبركان الحروب، ويستقبل أنهار اللاجئين الذين لم تستوعبهم خرائط العالم العربي، ويقوم بتوظيفهم وتعليم أبنائهم وإعطائهم الاعانات الشهرية... ثم يفكر بعضهم بتفجير نفسه في أحد المطارات والمطاعم وقتل الأبرياء الذين لا ذنب لهم؟ أي فكر معكوس هذا، أين تعلم وأين تربى على هذه العقلية الانتقامية غير المتسامحة؟ لماذا فشل العالم العربي في إقامة بلدان ديموقراطية تسع الجميع في بوتقة واحدة ومن دون أن يطعن أحد بولاء الآخر، ومن غير تحمير الخناجر وسل السيوف على الطرف الآخر؟ هل هو فشل السياسيين أو الأحزاب العربية أو العلماء أو النخب؟ إذا كان السياسي يلهث وراء مصلحة الذاتية الضيقة، والعلماء يتحدتون ومشغولون عن تفسير الأحلام، إذن كيف أو من الذي سيوجه هذه الجماهير؟ مع الأسف هذه الأمور كانت تربة خصبة للتيارات المتطرفة مثل «داعش» في صيد الفرائس الصغيرة التي لم تجد من يوجهها التوجيه الصحيح. اليمن. سورية. العراق. لبنان. فلسطين. كلها بلدان عربية ولكنها ما زالت تعاني من مصاعب كبيرة وشائكة، والمستقبل سيكون أكثر غموضاً خاصة مع المشاكل الاقتصادية المزمنة إذا لم نجد العلاج الناجع وفي الوقت المناسب. التيارات المتطرفة أصبحت عالة كبيرة على الانسانية، وزوالها أصبح مسألة وقت، لأنها تسير عكس التيار وروح العصر، ولكن في الوقت نفسه، الكل مسؤول عن نشر خطاب التسامح، الوالد والمعلم والعالم والسياسي... كلهم شركاء في ذلك، وحتى ننقذ أبناءنا من مناجم الدم. akandary@gmail.com