القرم جزيرة للساحل الروسي أم جنين للمخاض الأوروبي بقلم / أحمد إبراهيم (كاتب إماراتي) البريد الإلكتروني: ui@eim.ae . الجزيرة والجنين جيمان لايجتمعان.! إذ كلٌّ منهما تخلو لنفسها بعيدةً عن الجمعات والأنظار .. الجزيرة تختفي عن الرؤى للساحل وراء الظلام السبع للبحار السبع، والجنين يختفي عن الأنظار والمايكروسكوبات وراء الظلمات السبع للرّحم بحوض المخاض، وعادةً كل منهما بلا هويات ولابطاقات ولا بوّابات.! الاّ ان (جيم) جزيرة (القرم) المولودة منذ القرن التاسع عشر بهوية (المسجد الأبيض)، أعيدت للمخاض المزدوج الأوكراني الروسي الأوروبي الأمريكي! .. لتلد من جديد بقيصرية القياصرة من موسكو، رغم تعدد الأعراق فيها من 12% تتار، 58% روس، و24 أوكرانيين، ورغم تفوّق المسلمين الأعلى نسبةً بجميع مناطق أوكرانيا هم الذين في جزيرة القرم (المسجدالأبيض سابقا).! قرم إليوم وهى في غرفة الولادة، تهافتت عليها التوقيعات (بدل الورود) قبل الولادة .. كان توقيعاً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الجمعة 21 مارس/آذار، وكان توقيعا للإتحاد الأوروبي نفس اليوم، وتوقيعا لأوكرانيا بأضواء نفس اليوم، ولاندري كم من توقيع كان في ظلام الليل.! حقّاً إنها (جيماتٌ) مكثفة لجيم (الجنين) وجيم (الجزيرة) وجيم (الجمعة.!) جيماتُ هذه الجزيرة أعطتنا الكثير في يوم واحد، معاً على غرار وعلى خلاف ما أعطتنا جيماتُ جمعات الربيع العربي على مدار السنين الأخيرة، علمتنا جمعةُ القرم الإنطلاقة غير المشروطة بجيم الجامع والجمعة، وعلمتنا إنطلاقة المسيرة بالتوقيعات لا بالهراوات، وأن الإقتصاد هو عنق الزجاج الذي يظلّ يتحكم به كل الأطراف قبل الكراسي في القصور، وأن النتائج قد تتحق أكثر بأقل إراقة للدماء ودون تهشيم الجماجم بالفؤووس وقطع الأعناق بالسيوف، وان الحياة يمكن مسايرتها أفضل بالرأي والرأي الآخر قبل توجيه أرنبة البندقيات للصدور ومؤخرتها على الرؤوس.! وعلمتنا إستفتاءات ما وراء الستار من لوحات الرسامين وريش الفنانين، والتي كانت تنتهي عادةً في الوطن الكبير على 100% من التصويت للرجل الواحد في اليوم الواحد بعد التحضير له الف ليلة وليلة، وللحفاظ عليه بألف بندقية وبندقية وبألف شهر وشهر وبألف رأس ورأس .. وبأن إستفتاء القرم بدأ في اليوم الواحد وإنتهى في اليوم الواحد.! ما وقّعوه اليوم أعضاء الإتحاد الأوربي الثمانية والعشرين في بروكسل من إستعدادات لحماية الشعب الأوكراني وهمٌ في وهم.! .. ومن اغراءات لطموحاتهم الإقتصادية وهمٌ، ومن التلويح بالعقوبات الإقتصادية وهمٌ، ومن التطبيل على إنخفاض مؤشرات السوق الروسي 3% بُعيد التهديد وهمٌ، والإغراء بمنح 500 مليون يورو على شكل مزايا تجارية لأوكرانيا وهمٌ، ومن الإعلان عن إلغاء قمة كانت مقررة في روسيا الصيف المقبل وهمٌ، ومن الإعلان بفرض قيود وعقوبات على بنك روسيا وقيود على تأشيرات شخصيات روسية: (كلها أوهامٌ في أوهام.!) وفي المقابل ما وقعه بوتين على قانون ضم القرم ليكتسب قوة القانون: (واقع وحقيقي.!) .. وما صرح به بوتين انه لايملك اليوم حسابا في بنك روسيا المفروض عليه عقوبة إقتصادية، ولكنه سيفتح فيه غدا حسابا واقع، وتهديده بمطالبة أوكرانيا بمتأخرات إمدادات الغاز الطبيعي الروسي البالغة 11 مليار دولار واقع، وعن إلغاء روسيا للتخفيضات للغاز الممنوح لأوكرانيا واقع، وان روسيا من أكبر منتجي الغاز الطبيعي ومصدريه للسوق الأوروبية واقع وحقيقي، وان الإقتصاد والقطاع الخاص هما سيقودان عجلة العلاقات الروسية الأوربية المستقبلية في الميدان، وليست الخطب النارية في الدهاليز أيضا واقع وحقيقي.! وفي ظلّ تلك الوقائع والأوهام ماذا لنا وعلينا ونحن نعيشهما معا؟ نراهما (الوهم والواقع) وهما بوسعة آفاق إقليمية وطنية للعرب والإسلام، قد لايسعه ضيق تفكيري بقلمي المتواضع في هذه الزاوية، ورغم ذلك استسمحت شبّان العرب الناطقين بالضاد بضعف متعمد وبلكنة متكسرة مقصودة، لإثبات الذات الأجنبي بلغة وجنسية إكتسبوها للإرتزاق، ان لعبة الإستفتاء في القرم جاء بورقة اللغة الورقة الرابحة، وان اللغة الروسية رفعها الناطقون بها لغة الأم على انها تستحق الود و الولاء والانتماء.! وماذا يعطي هذا الولاء من درس لشبّان لغة الضاد والناطقين بها من أب عن جد، فقدوا الإنتماء لبلادهم، وجهلوا تاريخ وطنهم، وإنصرف إلى نفسه كل من أوصلته سيقانه العارية الى التراب الغربي الأوربي الأمريكي، فبات لايهمه بلاده خربت دمرت عمرت، جاعت ام اكلت، عاشت ام ماتت .. تهزه إبتسامة شقراء في الليال الحمراء من رأسه إلى أخمص قدميه، ولاتهزه شعرة حرائق الوطن بصواريخ العدو وتدميره بالدبابات والطائرات.! وتجاربي الشخصية وضعتني مرة مع سوء الحظ مع هؤلاء، ومرتين مع حسن الحظ.! ففي شوارع هولندا أمستردام عانيت من شباب دولة عربية رصدوا لي بكمين سلخ الجلد وسلب الجيب مقابل إدلائي عنوان فندق المجاور في الشارع المقابل، ليس الا لانهم كسبوا الجنسية الأوروبية بالزواج من عاملات النظافة في الملاهي الليلية، فأعتبروني عربيا متخلّفاً يحتفظ بجنسيته ولغته وديانته.! .. ثم .. وشبّاناً إلتقيت بهم من نيويورك لطوكيو ومن اسبانيا للسويد، برفاهية السيارات الفاخرة والشقق الفخمة وأرصدة مالية مليونية، إلا اني وجدتهم اول الملتحقين لصلاة الجمعة أينما أقيمت، واول الناطقين بلغة الضاد سليمة أينما نطقت، وبالأذن الصاغية لأخبار الوطن العربية أينما تليت.! هذا يعني نسبة المتخلفين وطنيا خارج الوطن ليست كبيرة.! ومع ذلك لايجوز إهمالهم وتجاهلهم وشطبهم من الحسبان.! إنهم أصفار قابلة للتحويل الى أرقام.! فمن يا ترى سيدير الرقم (01) صفر على واحد، لتتحول الآحاد إلى عشرات.؟