أثار الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو غضب معارضيه مساء أول من أمس بعد رفضه إلقاء خطابه الرئاسي السنوي أمامهم، مما أدى إلى تصاعد التوتر في هذا البلد بتجديده صلاحياته بموجب حالة الطوارئ في هذه الأزمة. وأدى قرار مادورو إلقاء الخطاب في المحكمة العليا الموالية له، بدلا من الجمعية الوطنية، إلى تفاقم المأزق السياسي للبلاد، كما أكد عمق المشكلات الاقتصادية التي تعصف بهذا البلد المصدر للنفط. وأعلن مادورو في خطابه تراجع عائدات صادرات النفط من نحو 48 مليار دولار عام 2008 إلى 5.3 مليار فقط السنة الماضية، مما يعني أموالا أقل لتمويل مخطط الرفاه الاجتماعي الذي أرساه مادورو مع سلفه الرحل هوغو شافيز. كما اعترف مادورو بأن «هذا النموذج للحصول على عائدات لم يعد صالحا». وكان ظهور الرئيس الفنزويلي في المحكمة العليا أقرب إلى ازدراء خصومه في الجمعية الوطنية، حيث كان يجب أن يلقي الخطاب. وقد دفع هذا التصرف خوليو بورغيس، الرئيس الجديد للجمعية الوطنية الذي ينتمي إلى المعارضة، إلى القول أمام الصحافيين إن مادورو خرق الدستور، الذي ينص على أن الخطاب يجب أن يلقى أمام المشرعين. ويعد مادورو الجمعية الوطنية غير شرعية لأن المحكمة العليا طعنت في شرعية بعض النواب المعارضين. وقد دأبت المحكمة العليا على إصدار أحكام تصب في مصلحة مادورو وضد الجمعية منذ أن حصلت المعارضة على الغالبية البرلمانية قبل عام. وتحمل المعارضة المتحالفة تحت اسم «طاولة الوحدة الديمقراطية» الرئيس الفنزويلي مسؤولية الأزمة الاقتصادية، التي أدت إلى احتجاجات عنيفة تسببت بسقوط قتلى، إلى جانب انتشار السرقة بسبب نقص المواد الغذائية والأدوية من الأسواق. وتطالب «طاولة الوحدة الديمقراطية» بتنظيم استفتاء شعبي لعزل الرئيس من منصبه. لكن مادورو ينفي مسؤوليته، ويقول إن الأزمة نتيجة مؤامرة رأسمالية تقف خلفها الولايات المتحدة. وتضمن الخطاب الرئاسي مراجعة للأزمة، حيث وصف مادورو عام 2016 بأنه كان «الأطول والأصعب» على حكومته منذ توليها السلطة بعد وفاة شافيز عام 2013. وجاء تدهور أسعار النفط، الذي يعد المورد الرئيسي للبلاد، ليعمق الأزمة، التي أجبرت الناس على الوقوف في طوابير طويلة لشراء حاجياتهم. فيما يتوقع صندوق النقد الدولي أن تصل نسبة التضخم إلى 1.660 في المائة هذا العام، وهو رقم هائل. إلا أن مادورو تعهد بأن «تخرج البلاد سالمة من الأزمة»، وذلك من خلال الإجراءات الناتجة عن السلطات الاستثنائية. كما وعد مادورو بزيادة برنامج المساعدات الغذائية الخاص بالفقراء. ولا يزال الخلاف السياسي بين مادورو وتحالف أحزاب المعارضة مستمرا منذ العام الماضي، دون أن يلوح أي حل في الأفق. وقد توقفت المفاوضات التي رعاها الفاتيكان العام الماضي بين الحكومة والمعارضة حول الأزمة، وانتهت إلى اتهام المعارضة لمادورو بسوء النية. وعلى الرغم من تأكيد مادورو أنه ملتزم بـ«تعزيز» الحوار، فإن المعارضة قد استبعدت العودة إلى المفاوضات، وأعلنت أنها تخطط لتنظيم مظاهرات جديدة بدءا من 23 يناير (كانون الثاني) الحالي. وقد صادق النواب المعارضون الذين يشكلون الأغلبية في الجمعية الوطنية الأسبوع الماضي على مبادرة تعتبر أن مادورو «تخلى عن منصبه» عمليا بفشله في مواجهة الأزمة الاقتصادية. لكن مادورو وصف هذه الخطة بأنها «محاولة انقلابية»، وأنشأ وحدة «التصدي للانقلاب» التي قامت باعتقال 7 من أبرز معارضيه هذا الأسبوع. وفي هذا الصدد، توقع المحلل السياسي الفنزويلي دييغو مويا أوكامبوس، من مركز أبحاث «إي إتش إس ماركت» ومركزه لندن، قبل خطاب مادورو أن يشهد عام 2017 «دستورا يتدخل في الاقتصاد، ومزيدا من الإجراءات، وعمليات تفتيش تطال المؤسسات، ورقابة على الأسعار، وصرف العملات، إضافة إلى زيادة في التضخم والانكماش الاقتصادي». وعلى الرغم من أن استطلاعات الرأي تؤشر إلى انخفاض شعبية مادورو، فإن الرئيس ما زال يحظى بدعم القيادة العسكرية ويسيطر على معظم مؤسسات البلاد. وقال الخبير في العلوم السياسية ريكاردو سوكري: «لا أرى أن عزل مادورو أمر مرجح». وأضاف: «يبدو بالنسبة لي أنه بات أقوى داخل معسكره، فقد اجتاز أصعب الاختبارات؛ عكس كل التوقعات».