--> كنت قد كتبت في الثامن من شهر مايو لهذا العام مقالا بعنوان تجسس عيني عينك عبرت فيه عن استغرابي من إعلان انتشر حينها في وسائل التواصل الاجتماعي حول طلب جهاز المخابرات الإسرائيلي البحث عن أشخاص يتمتعون بالذكاء وحب المغامرة والطموح ويجيدون اللغتين العربية والفارسية لتجنيدهم كعملاء لذلك الجهاز الكريه السمعة الموساد. ما أعادني للكتابة هذه المرة حول التجسس والجاسوسية خبرٌ نُشِرَ في الصحف المحلية يفيد بصدور حكم ابتدائي من المحكمة الجزائية المتخصصة بمدينة جدة على مواطن سعودي. الحكم المشار إليه يقضي بسجن المواطن لمدة خمس عشرة سنة ويحرمه الحكم لنفس المدة من السفر إلى الخارج. وذلك لاتهامه بالشروع في التجسس لصالح دولة عدوة هي إسرائيل. الجزئية التي أعتقد أنها جديرة بأن يُشار إليها في هذا المقام هي مدى قدرة المجتمع و الوطن على التحقق من أنه يمكن أن يستفاد من هذه الحادثة ، وإذا كان الجواب بنعم أن المجتمع يمكن أن يستفيد من هذا الدرس، فكيف وبأية وسيلة وجاء في تفاصيل الخبر أن هذا المواطن أخبر رجال الأمن الذين يقومون على حراسة السفارة الإسرائيلية في الأردن عن رغبته في مقابلة أحد المسئولين في السفارة، يعني مقابلة مسئول إسرائيلي بغرض عرض خدماته عليهم والتعاون معهم من خلال تقديم أي معلومات يريدونها عن بلاده المملكة العربية السعودية. وعلى الرغم من أني أفهم جيدا ان فعل التجسس وتجنيد العملاء ضد دولهم ومجتمعاتهم من قبل الدول والجهات الخارجية فعل قديم عرفته معظم الحضارات والأمم القديمة والحديثة إلا انْه انتابتني مجموعة متضاربة من المشاعر ولم أعرف أين أقف من هذا المواطن ومن الفعل الذي قام به. حقيقة لم أعرف كيف أصنف مشاعري في تلك اللحظات ، هل أمنطق الموضوع وأضعه برمته في خانة أمر و حدث وتم كل شيء وأن الحكاية وكل تفاصيلها شروع في التجسس . و أن الرجل أصبح في أيدٍ أمينة الآن سلطات الأمن والقضاء السعودية ليس من همها إنزال العقاب بالمواطن بقدر ما تسعى لإصلاحه وتصحيح ما اختلط عليه من مفاهيم وأفكار بهدف اعادته إلى وطنه و مجتمعه وأسرته وإلى نفسه التي كاد يخسرها بالتعاون مع طرف أجنبي ضد مصلحة وأمن بلاده. ورأيت من الانصاف بشقيه أنصاف الوطن، وإنصاف المواطن بقدر المستطاع. ولأنه تنقصنا كثير من الحيثيات حول شخصية ذلك المواطن و تعليمه وتربيته وحالته الصحية والنفسية وحول الدوافع التي ساقته للشروع فيما قام به، رأيت أن ينظر للفعل لا للفاعل بشرط أعتقد أنه متوفر في شخص الفاعل، وهو أن يكون سليم العقل والحواس ولا يعاني من اعتلال في صحته، والفعل كما يعرف الجميع جريمة لها عقابها المعروف تقليديا في معظم دول العالم حين تكون هذه الجريمة التجسس في زمن الحرب، وأيضاً لها عقابها شبه المستقر عندما تقترف في زمن السلم، وتبعاً لمقتضيات المنطق والواقع ورغم أن كلمة جاسوس سعودي تثير اشمئزازا في النفس، وتفسير ذلك عندي على الأقل، لأننا نربأ بمواطنينا حتى على مستوى الشعور النفسي عن مثل هذه الأفعال. لا يُتَصور في العموم أن هناك مجتمعا في زمننا اليوم لا يوجد بين أفراده على الإطلاق من يعمل لحساب الغير، الجزئية التي أعتقد أنها جديرة بأن يُشار إليها في هذا المقام هي مدى قدرة المجتمع و الوطن على التحقق من أنه يمكن أن يستفاد من هذه الحادثة ، وإذا كان الجواب بنعم أن المجتمع يمكن أن يستفيد من هذا الدرس، فكيف وبأية وسيلة. وفي تقديري الشخصي أنه بعد أن تحصلت الجهات المختصة والمخولة بالتعامل مع حالة هذا المواطن الذي كان ينوي التعامل مع طرف خارجي بالتجسس ضد مصلحة وطنه، على معلومات وأدلة مفصلة و تأكد لها من صدقية وحقيقة الدوافع التي جعلت مواطنا نشأ في منظومة تربوية و فكرية وثقافية تحرم وتجرم هذا العمل، يذهب طوعاً ويعرض خدماته على جهة معادية أرى أن تقدم كل تلك التفاصيل للجهات التي تقوم على خدمة المجتمع في ثقافته وفكره واقتصاده وتربيته وتنشئته ووضع تلك الأسباب في موضع المضاد الحيوي الذي بعد الله يقي جسم هذا الوطن والمجتمع من الشرور ويجنبنا مستقبلا مطالعة خبر عن مواطن سعودي جديد فكر أن يبيع نفسه للشيطان. كابشن @salemalyami مقالات سابقة: سالم اليامي : -->