×
محافظة المنطقة الشرقية

خادمة تعتدي على مكفولتها بآلة حادة

صورة الخبر

النسخة: الورقية - دولي استقبل المعنيون بشؤون الحقوق المدنية في الولايات المتحدة التقارير التي تفيد عن قدرات رقابية فائقة لدى الأجهزة الأمنية وضعت موضع التنفيذ لتسجيل كامل المكالمات الهاتفية للمواطنين في دولة جرى التحفظ عن ذكر اسمها، بمقدار مرتفع من الاهتمام، لا من المفاجأة. فالإشارات إلى امتلاك السلطات الأميركية قدرات من هذا النوع تتوالى منذ فترة غير وجيزة، إلا أن إمكانية تقييد هذه القدرات وضبطها ومنع إساءة استعمالها، تواجهها عوائق تشكل بالنسبة إلى المدافعين عن الخصوصية معضلة يبدو أن صعوبتها تتفاقم. وجاءت هذه التقارير مستندة إلى المعلومات المستفيضة التي سرّبها موظف وكالة الأمن الوطني السابق إدوارد سنودن، وكشفت تجاوزات متشعبة ومتكررة في المراقبة الهاتفية، بما في ذلك تجسس واسع على مكالمات زعماء الدول الصديقة. أما الجديد الآن فهو اتضاح تفاصيل برنامج «ميستيك» الذي يسمح بحصد كمّ هائل من المكالمات، والعودة إليها لمتابعة تفاصيل معينة مرتبطة بالمسائل الأمنية. وقد جرى بالفعل تسجيل كل المحادثات الهاتفية التي أجراها المواطنون والمقيمون في إحدى الدول، كاختبار أولي لنجاعة هذا البرنامج وفعاليته، في حين يبدو مِن تَتَبُّع الموازنات المرصودة أنه تمّ بالفعل توسيع البرنامج ليشمل دولاً أخرى. إن القدرات التقنية لتسجيل كل البيانات الهاتفية، بل لجمع كل حركة أو حرف أو زيارة أو رسالة أو نص صادر عن أي فرد في أي وقت وأي مكان على شبكة الإنترنت، متوافرة منذ مدة ومقيّدة تقنياً باعتبارين، كلفة الرصد وكلفة التخزين، وكلتاهما شهدت ولا تزال انخفاضاً متواصلاً. أي أن ما كان من باب الممكن نظرياً أصبح اليوم ممكناً عملياً. ومن المفترض أن الأنظمة المرعية من شأنها حفظ الخصوصية، بالتالي وضع الحواجز أمام إقدام الأجهزة الأمنية على نشاط من هذا النوع. لكن جنوح هذه الأجهزة إلى الالتفاف على روح الأنظمة، إن لم يكن مخالفتها الصريحة، لم يكن سرّاً قبل كشف إدوارد سنودن تجاوزات وكالة الأمن الوطني، غير أنه اليوم أضحى مدعوماً بالأدلة القطعية. وأن الأجهزة الأمنية ليست بحاجة إلى تجاوز القوانين. فنموذج برنامج «إيشيلون» الذي تشاركت فيه وكالات الاستخبارات في الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وأستراليا ونيوزيلندا قبل عقدين، يوضح أحد الأساليب المتبعة. فكل من هذه الأجهزة تُحظّر عليه مراقبة المواطنين في دولته، لا في الدول الأخرى طبعاً، فمن خلال التعاون في ما بينها فوّضت كل منها لزميلاتها مراقبة المواطنين في دولتها لاطلاعها على ما تحتاجه من معلومات، من دون أن تكون خالفت أياً من القيود المفروضة عليها. ويكشف هذا النموذج الصعوبات التي تواجه الناشطين المعنيين بالحريات العامة، لتطويق أساليب الالتفاف على صون الخصوصية. وإذا كان المنحى المتبع في الماضي يضع الأجهزة في خانة التقييد، ويتيح لها حصراً ما تنص عليه مهماتها، فإنه منذ اعتداءات ٢٠٠١، وما تبعها من تشريع باتجاه إطلاق يد هذه الأجهزة، لم تعد المسألة تحديد صلاحياتها بل إيجاد التأصيل الدستوري لما يبرّر الحد من نشاطها. وإذا كان الجانب التقني والتأطير القانوني لمصلحة الأجهزة في سعيها إلى توسيع نطاق عملها، فإن التوجه السائد في الأوساط الاجتماعية والثقافية في الولايات المتحدة، والذي يثمّن الحرية والخصوصية من جهة ويُظهر مقداراً ملحوظاً من الريبة إزاء السلطات في كل الشؤون من جهة أخرى، كان مفترضاً أن يكون حليفاً للناشطين في مسعاهم إلى مواجهة تنامي أجهزة الرقابة. لكن، وعلى رغم فداحة التجاوزات التي كشفتها تسريبات سنودن، لا يبدو أن الرأي العام في الولايات المتحدة يولي المسألة الاهتمام والوعي بالخطورة مما كان يتوقعه الناشطون. بل، كما في موضوع معتقل غوانتانامو، حيث هناك ممارسات لا يمكن إدراجها إلا في خانة التعذيب من دون أن يبدي المجتمع الأميركي الاعتراض الذي يدفع السلطات إلى تصحيح الوضع، يبدو أن ثمة تحولاً مهماً لدى الرأي السائد في الولايات المتحدة باتجاه تغليب الحاجة إلى الشعور بالأمن، على الالتزام بالمبادئ والقيم التي يفاخر المجتمع الأميركي بأنه يجسدها. فالمواطن الأميركي قد يكون مرتاباً إزاء سياسات حكومته الاقتصادية والاجتماعية والإدارية، إلا أنه، على الغالب كما يبدو، مستعد للتسليم بما ترتئيه هذه الحكومة في الموضوع الأمني. ويمكن الإشارة إلى تراخٍ على مستوى القبول الشعبي بالدور الأمني للأجهزة الحكومية. ففي مرحلة أولى، كان الإرهابيون أو مَنْ يُشتبه في ضلوعهم بالإرهاب هم الخط الأحمر للعمل الرقابي، ثم أصبح الغرباء من غير الأميركيين، مقيمين كانوا في الولايات المتحدة أو في الخارج، ثم امتد هذا الخط ليشمل الأميركيين من ذوي التواصل مع الخارج، وهو اليوم، من حيث القدرة بالتأكيد ومن حيث التنفيذ في أكثر من حالة، أصبح يضمّ الأميركيين عموماً ما لم تتعمد السلطات تجاوز حقهم في الخصوصية. أي أن جمع البيانات في حدّ ذاته، من دون الاطلاع عليها أمسى من الطروحات المتداولة القابلة للبحث. وإذا كان العديد من المدافعين عن الحق في الخصوصية من المنتمين إلى التيار التقدمي، فإنهم اليوم يشهدون حالة مقلقة هي أن حكومة الرئيس باراك أوباما، المحسوبة على هذا التيار، أمعنت في توسيع صلاحيات الأجهزة ومحاربة أي اعتراض على عملها بمقدار يفوق حتى سابقتها، أي حكومة الرئيس جورج دبليو بوش المتّهمة بأنها هي مَنْ فرّط بمنظومة الحقوق والحريات. ما يجهد الناشطون لتَبَيُّنـــِه هو مدى الفــائدة المتحققة من هذا التآكل المستمر للحقوق، إلا أن لسان حال السلطات يكاد أن يكون دوماً: الكشف عن هذه الفائدة من شأنه الإضرار بالأمن الوطني. أي أن المطلوب هو الثقة بالأجهزة الأمنية فحسب. وإلى أن تعود الريبة إزاء هذه الأجهزة إلى مزاج المجتمع الأميركي، فإن من شأن الحكومة وأجهزتها الاستمرار في توسيع قدراتها، معتمدة على التغليب العام للأمن على الخصوصية.