×
محافظة المنطقة الشرقية

البكيرية فقدت ابنها محمد العلي السويلم بعد رحلة طويلة من العمل الخيري

صورة الخبر

خطاب الوداع المؤثـّر الذي ألقاه الرئيس باراك أوباما أمام آلاف الأشخاص شكّل مثالاً جيداً آخر عن فن الخطابة الملهِم الذي أسهم في وصوله إلى سدّة الرئاسة الأمريكية قبل ثمانية أعوام. لقد قاطعه الحضور مرات عدة للتصفيق له وقوفاً، وعلا في بعض الأحيان تصفيقٌ يصمّ الآذان، واغرورقت عيون جميع مَن في القاعة تقريباً بالدموع، بما في ذلك عينا الرئيس. لكن على النقيض من الترحاب الذي أبديته بخطابه الرائع الذي ألقاه في جامعة القاهرة إبان بداية رئاسته، والذي تعهّد فيه بتحسين العلاقات بين الولايات المتحدة والعالم العربي، لم أتأثّر على الإطلاق خلال الاستماع إلى خطابه الوداعي، فقد ثبت مراراً وتكراراً أنه لا يقرن القول بالفعل. مع الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، نعرف على الأقل ما قد ينتظرنا.. قد نقف على عتبة مرحلة صعبة وعصيبة، لكننا لن نتعرض للخداع. كان أوباما يخفي خنجراً خلف ملامحه الخارجية الودّية واللطيفة. لقد كان له ضلعٌ أساسي في إلحاق الضرر بالعالم الذي أنتمي إليه، بعالمنا العربي، ولعله ضرر يتعذّر إصلاحه على امتداد أجيال عدة. ولن أسامحه أبداً على ذلك. لقد ترك الفلسطينيين في ضائقة شديدة، من دون بارقة أمل. تُدمَّر المنازل في القدس الشرقية فيما أخطّ هذه السطور، وينوي خلفه نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ما يعني إسقاط مشروع حل الدولتَين. لقد أسهم في خراب ليبيا، وأتاح انتشار تنظيم «داعش» وسواه من التنظيمات المتطرفة خلال عهده. والعار الأكبر هو تخلّيه عن المعارضة السورية في الوقت الذي كانت تتقدّم فيه على الأرض، ما فتح الباب على مصراعَيه أمام تدخّل روسيا عسكرياً في سوريا. والأسوأ على الإطلاق كان الدعوة التي وجّهها إلى دولة مارقة غير مستحقّة، تشكّل التهديد الأكبر في المنطقة، كي تنضم من جديد إلى مجموعة الأمم. لا بد من أن الملالي الإيرانيين، على الرغم من خطاب الكراهية الشديدة الذي يطلقونه ضد «الشيطان الأعظم»، يتحسّرون على رحيل المحسِن الأكبر إليهم الذي أتاح لهم زيادة ثرواتهم بمئات مليارات الدولارات، ووزير خارجيته الذي يمسك بأهدابه جون كيري. كتبت جينيفر روبن في مقال في صحيفة «الواشنطن بوست» أن كيري فتح «المنظومة المصرفية الأمريكية لتتمكن إيران من تحقيق المنفعة من الاتفاق»، و«من ثم تبنّى دور غرفة التجارة الإيرانية، عبر محاولته إقناع الشركات والأعمال بفتح فروع لها في إيران». بدأت فورة الإنفاق الأوروبي في إيران تؤتي بثمارها. قبل بضعة أيام، تسلّمت شركة إيران للطيران الدفعة الأولى من مئة طائرة ركّاب «ايرباص»، ووقّعت اتفاقاً بقيمة 16,6 مليار دولار مع «بوينغ» للحصول على 80 طائرة إضافية. وقد وصف رئيس شركة الطيران عملية التسليم بأنها «يوم عظيم». لم يكن اليوم العظيم الوحيد بالنسبة إلى طهران في الآونة الأخيرة. يمكن القول إن اليوم الأعظم في تاريخ إيران يتمثّل في حدثٍ لم تولِه وسائل الإعلام التقليدية اهتماماً كبيراً، عن قصدٍ ربما. فقد وقّع أوباما في الخفاء اتفاقاً لتزويد طهران بـ116 طناً مترياً من اليورانيوم، وهي كمية كافية لتشغيل عشر قنابل نووية، على الرغم من انتهاك إيران لشروط الاتفاق النووي عبر إقدامها العام الماضي على زيادة إنتاجها للماء الثقيل فوق المستوى المسموح به، وقد غضّت إدارة أوباما النظر عن هذا الأمر. اختصر المدوّن السياسي والخبير في الشؤون الإيرانية عمري سيرين جيداً الوضع الكارثي الذي آلت إليه الأمور، في حديث مع صحيفة «الواشنطن بوست» جاء فيه: «نسمح للإيرانيين بتخطّي كميات الماء الثقيل المسموح لهم بإنتاجها بموجب الاتفاق، ثم نعوّض عليهم بسخاء عبر تزويدهم باليورانيوم الذي يمكن استخدامه في القنابل. حلفاؤنا معذورون إذا كانوا يعتقدون أننا نعمل الآن من أجل المصالح الإيرانية، وليس المصالح الغربية». لا شك في أن إرسال اليورانيوم إلى كيان غير مستقر يناصب العداء في العلن لجيرانه ويسعى إلى تعزيز سيطرته على البلدان العربية لا يصبّ في مصلحة دول الخليج العربي. لقد وصف ترامب الاتفاق الإيراني بـ«الكارثي»، وقال عنه إنه «الاتفاق الأسوأ الذي جرى التفاوض عليه حتى تاريخه». وقد وافق على مناقشته مع المعارِض الأقوى للاتفاق، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فور تسلّمه مهامه في البيت الأبيض. غير أن ترامب أقرّ بأن إلغاء الاتفاق ليس بالمهمة السهلة، لأن الدول الأخرى التي وقّعت عليه -الصين وروسيا والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا- لا ترغب في السير على الخطى الأمريكية في هذا الإطار. تصوّب تلك الدول أنظارها نحو إبرام صفقات تجارية مربحة. ففي علاقتها المستجِدّة مع طهران، أعماها مشهد الدولارات فتناست القيم التي تدّعي أنها تتمسّك بها. لا تُزعجها هيمنة إيران على العراق وسوريا ولبنان، وقيامها بتزويد «حزب الله» بالسلاح، وبرنامجها للصواريخ البالستية الطويلة المدى، وتوسّعها العسكري. أما نحن فمنزعجون بالطبع. من يعيشون بيننا على عتبة إيران محقّون تماماً في أن يتملّكهم القلق، ولا سيما أن مبيعات النفط ستسهم إلى حد كبير في تضخّم الثروات الإيرانية، الأمر الذي سيؤدّي بلا شك دوراً في تعزيز مكانة المليشيات الشيعية في العراق وسوريا واليمن ورأس الأفعى لبنان، وسواها من البلدان. وقيام أوباما بمنح إيران 116 طناً مترياً من اليورانيوم يؤجّج المخاوف، ولا سيما أنه يأتي في مرحلة يتّجه فيها الكونغرس نحو إنزال مزيد من العقوبات بإيران، وهي خطوة يعتبر الرئيس الإيراني حسن روحاني أنها تشكّل انتهاكاً للاتفاق، ما يستدعي «رد فعل قاسياً» بحسب تعبيره، محذّراً من أنه «ليس بمقدور أمريكا التأثير في مسارنا، مسار القوة والثبات». في تلك الحالة، قد تعمد إيران إلى تمزيق الاتفاق أحادياً، وطرد مفتّشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وإزالة أنظمة الرقابة، وتحطيم الأختام الموضوعة على أجهزة الطرد المركزي، والعمل في الخفاء على تصنيع أسلحة نووية بدافع الثأر. قد يبدو هذا السيناريو بعيد الاحتمال في وقتٍ تحتفل فيه إيران بخروجها من عزلتها، لكنه ليس مستحيلاً. لقد سدّد أوباما طعنةً في الظهر لحلفاء أمريكا في الشرق الأوسط في أيامه الأخيرة في الرئاسة. من الواضح أن الاتفاق صيغ بأسلوبٍ يعود بمنافع جمّة على إيران على مستويات كثيرة، لكن ما لم يقولوه لنا هو أنه يسهم في تشريع حصول إيران على اليورانيوم. تحفل وسائل الإعلام بالنقاشات عن الإرث الذي يتركه أوباما. لا يسعني سوى أن أتساءل عن المفاجآت السيئة الكثيرة التي ستنكشف إلى العلن. كم مرة يجب أن نُلدَغ قبل أن ندرك أنه لا يمكن الوثوق بالولايات المتحدة! ينبغي للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وباقي دول مجلس التعاون الخليجي، تعزيز دفاعاتهم بشتّى الطرق المتاحة أمامهم. دَعْكم من الكلام الدبلوماسي. نعرف جيداً مَن هم أعداؤنا وماذا يريدون. في نهاية المطاف، لا يسعنا سوى الاعتماد بعضنا على بعض. هذه هي النقطة الأساسية. نخطئ كثيراً إذا خُيِّل إلينا أن أياً من القوى الكبرى سيهبّ لحمايتنا -بوجود معاهدة أو من دونها- في حال اكتسبت إيران سلاحاً نووياً وبتنا نواجه التهديد الأخطر، فالحقيقة هي أننا سنلقى المصير نفسه مثل أوكرانيا وسوف يُرمى بنا إلى الذئاب.