وأنا أتلمَّس ردود الأفعال لخطَّة التحوُّل الوطني 2030، أجد أنَّ هناك آراءً تُوجِّه سهام النقد باتجاهها، مقابل آراء أخرى تُمجِّدها وتدعم مسارها، وعلى ما يبدو أن بعض الآراء الناقدة انطلقت من زاوية ضيِّقة يحكمها اتجاه عاطفي مردُّه أنَّ موجبات تلك الخطة لامست بعض متطلَّبات المواطن الحياتيَّة الضروريَّة، كارتفاع رسوم بعض الخدمات، وارتفاع بعض الأسعار، ووقف بعض العلاوات أو البدلات، أمَّا البعض الآخر المؤيِّد فقد انطلق من زاوية واسعة يحكمها اتجاه استشرافي مستقبلي للوطن بشكلٍ عامٍّ، بما يستوجب بعض التضحيَّات من قبل المواطن.. ولعلِّي هنا ومن خلال سبري لأغوار تلك الخطة الوطنيَّة أستطيع القول: * إنَّ هذه الخطة تُعدُّ طويلة المدى، وغالبًا ما تقوم على أسلوب التنبؤ، كون أهدافها شموليَّة (عامَّة)، وكون البيئة التي تنطلق منها غير مستقرة في الوقت الحالي، حيث يعيش وطننا الحبيب مكابدة العديد من القضايا السياسيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة. فعلى الجانب السياسي تواجهنا العديد من التحدِّيات على الحدود الجنوبيَّة والشماليَّة والشرقيَّة، والمؤكِّد أنَّها ستستنزف الكثير من الجهود والأموال، وتستوجب الاستعداد لمواجهتها بالكثير من التضحيات، ممَّا قد يُلقي بظلاله على تلك الخطة، وممَّا يستوجب على القائمين عليها وضع ذلك في الحسبان من خلال وضع البدائل المُعزِّزة لمسيرتها. وفي الجانب الاقتصادي نجد أنَّ الانخفاض الكبير في أسعار النفط قد ألقى بظلاله على مسيرة الخطة، خاصة وأننا نعتمد في دخلنا القومي على أسعاره. * بما أن المشاركة الجمعيَّة تُعدُّ أحد المُعزِّزات الهامَّة لمسيرة الخطَّة، والتي تمثَّلت في اتخاذ بعض القرارات الحكوميَّة الترشيديَّة كرفع الدعم عن بعض الخدمات والمواد الاستهلاكيَّة، وإلغاء البدلات، وتجميد العلاوات، وحول هذا الجانب تحديدًا، تمنَّى بعض المواطنين من ذوي الدخل المحدود ألاَّ تمسّهم تلك القرارات، كون هذه الشريحة -تحديدًا- لا يهمها إلاَّ توفير ما يكفي حاجتها اليوميَّة، وأنَّه كان من المتوقَّع أن يقتصر ذلك على الأثرياء من التجار، وهوامير العقار والأسهم، ومن أموال القطاع الخاص الذين لم نجد لهم أدنى المشاركات المجتمعيَّة.. إلاَّ أنَّ (حساب المواطن)، الذي تزامن الإعلان عنه مع صدور الميزانيَّة الجديدة للمملكة، جاء ليرد على ذلك بأن ذوي الدخل المحدود سيحصلون على دعم (نقدي) تعويضي، ليقتصر فقط على تلك الفئة التي تستحقه. * لا شك بأن خطتنا الطموحة قد ركَّزت كثيرًا على بنيتنا التحتيَّة الاستثماريَّة، وهذا أمر في غاية الأهميَّة، ومطلب تنموي هام على المدى البعيد، خاصَّة فيما يتعلَّق بتنويع مصادر الدخل غير مصدر البترول الذي يُعدُّ المصدر الرئيس للدخل القومي، وكم أتمنى أن تشمل الخطة كل بنيتنا التحتيَّة لمختلف المؤسَّسات الحكوميَّة من حيث المكوِّنات، والهيكلة، والإدارة. * وبما أنَّ مؤشِّرات الإنجاز هي التي تُحدِّد وتكشف مدى نجاح هذه الخطة في مختلف مساراتها، فإنَّ تحديد الجهات المُتابِعَة والمُحاسِبَة لكل مساراتها يُعدُّ الأكثر أهميَّة، لذا لابدَّ وأن تكون تلك الجهات الأكثر صرامةً وحزمًا في محاسبة كلِّ مقصر، خاصَّة لو أخذنا في الاعتبار أنَّ ممارسة الفساد المالي والإداري كان أحد أهم الأسباب في تباطؤ الكثير من عمليَّاتنا التنمويَّة السابقة. وفي الختام، لديَّ اليقين أنَّ خطتنا الطموحة ستنال حقَّها من الدعم والتمجيد الإعلامي، إذا حققت ما نتطلع إليه جميعًا، كما وأنَّها ستنال حقَّها من النقد والتوجيه إذا لم تُحقِّق ما كُنَّا نصبو إليه. والله من وراء القصد.