×
محافظة المنطقة الشرقية

وظيفة إدارية شاغرة بشركة دانون في #الدمام

صورة الخبر

يبدو أن السينما تهتم بموضوع الغذاء ولها معه علاقة طويلة ومعقدة حيث يمكن جني الكثير من الرموز والدلالات. من يشاهد فيلم "ألف ليلة وليلة" للمخرج الرائع بير باولو بازوليني وأفلامه كلها تقريبا تحتوي على مشاهد لناس يأكلون، وحضور الطعام له مذاقه الخاص، ويكاد يكون من العناصر ذات القداسة في سينما بازوليني وكثيرا ما يرتبط بالجنس. مائدة الطعام والمطبخ والبار أو المطعم أو سوق المأكولات هذه الأماكن حيث يحضر الطعام كعنصر وقناة اتصال، وربما مناسبة للتعمق في تقاليد وعادات الماضي وقراءة متغيرات العصر وتأثيرات هذه المتغيرات على الفرد والمجتمع. في فيلم "الفاصوليا الحلوة" للمخرجة اليابانية نعومي كاواسي، تعاملت المخرجة كاواسي لتكتشف شخصياتها القلقة من ثلاث فئات منبوذة ومهمشة، في الدقيقة للعلاقة بين امرأة مسنة ومريضة بنوع من مرض الجذام في أحد أصابعها فقط وبائع فطائر شعبية لكنه يستخدم معلبات الفاصوليا الحمراء، ويفشل في طبخها بالطريقة الشعبية، وكذلك الفتاة المراهقة التي تعاني من مشاكل عائلية وتود أن تترك مدرستها وتبحث عن منفذ للتحرر، تأتي العجوز وتطلب أن تعمل عنده، لكنه يعتذر بسبب كبر سنها، تكرر طلبها ويتذوق طبخها للفاصوليا وبعدها يرحب بها وتنال فطائره شهرة كبيرة. يحدث المنعطف المعاكس عندما تتسرب أخبار أن المرأة المسنة مصابة بمرض معدي وهكذا يفر الزبائن ويضطر البائع للتخلي عن مساعدتها، تعود المرأة إلى عزلتها، تشعر الفتاة الشابة بالذنب كونها السبب في نشر خبر المرض وتحض البائع للذهاب معها لزيارة هذه المرأة، وهكذا تلتقي ثلاث موجات مختلفة وفيها ما فيها من الحلم والوجع. نعومي كاواسي، مخرجة تميل إلى المكون البصري وتخلق منه جماليات مدهشة وتنحاز إلى الطبيعة فتفسح لها الحضور الخاص وتكللها بهالة من السحر والقداسة، كما تربط بين العنصر البشري والطبيعة. فيلم "الفاصوليا الحلوة" يزخر بعناصر فنية ويرتكز على لغة سينمائية سلسة ومشوقة، ومن هنا تتفجر الأحاسيس والعواطف الجوانية ونكون أقرب إلى الروح الإنسانية ولسنا مع حدث درامي مفتعل. هذه الشخصيات الثلاث مهمشة ولا أحد يشعر بها، تجمعهم المخرجة لتكوين عائلة تجتمع في المحل ثم حول مائدة صغيرة لتناول الشاي والكعك وهنا تكشف طوكي العجوز أنها قرأت الحزن في وجه البائع وحاولت أن تخرجه من صمته وعزلته، يعترف الرجل أنه ضرب أحدهم ودخل السجن وعلم بموت الرجل وبعد خروجه من السجن عمل في هذا المحل ويحسُّ بتأنيب الضمير لذلك يلجأ إلى العزلة والكحول. الفتاة المراهقة أيضا صامته ومنبوذة ولا تبدو كزميلاتها، البنات في سن المراهقة يستمتعن بالحياة ويخضن تجارب جنسية لكنها تبدو بائسة بسبب ظروفها العائلية وتضطر للتخلي عن صديقها الوحيد ذلك العصفور الجميل، تدعونا المرأة المسنة التي تخطت الـ 75 عاما أن ننصت إلى الطبيعة ونفهمها ونستمتع بلغتها الخاصة وتنصح البائع أن يطبخ معجون الفاصوليا الحمراء ولا يعتمد على المعلبات، فالطبخ عاطفة يكون من القلب وكل لحظة في المطبخ تشبه الحلم السعيد، نراها في المطبخ تنصت إلى البخار وتتحدث إلى الفاصوليا وتقول إن كل حبة فاصوليا كائنة حية علينا أن نحترمها. السيدة العجوز المصابة بمرض الجذام تقيم مع صديقات في مركز خاص بهم خارج المدينة، هذه التشوهات في يدها لم تمنعها من الحياة وعند موتها تحرص في لحظاتها الأخيرة على تسجيل رؤيتها للحياة وتترك رسالة صوتية هادئة ومؤثرة. في اليابان العمل هو طريق السعادة والإبداع في العمل يصفي الروح وينقيها، كثيرا ما تنقلنا الكاميرا إلى تأمل زهور الكرز كرمز للحب والفرح، كذلك العصفور صار حرا طليقا، طلبت العجوز دفنها قرب شجرة ضخمة لتظل على علاقة بالطبيعة. الجمال والدهشة السينمائية نتاج هذه البساطة والمصارحة وهكذا تفوح العاطفة والشاعرية، تطلق المخرجة صرختها لتعري وحشية المجتمع الصناعي وهشاشة الروح وقصر النظر وتفضح قسوة الواقع الذي لا ينظر إلى هذه النماذج الإنسانية التي تتألم في صمت، نعومي كاواسي لا تدعو إلى مثالية خيالية في مجتمع مقيد بالأرقام وتطمس بصيرته المادية، هي تدعو إلى التفاهم وتطوير فهمنا للآخرين، فتلك المرأة العجوز تتحاور وتمازح حبات الفاصوليا وتقول إنها تسمع الرد، لكنها تجد صعوبات في الحديث مع الناس ومحكوم عليها وأمثالها القبول بالجحيم الأبدي والعزلة.