لا أحد يعرف عن تراث جبة العظيم سوى المهتمين بالآثار، وبعض الزوار الأجانب الذين جاء أغلبهم بدعوات شخصية من أهل جبة على بعد 100 كيلومتر تقريباً باتجاه الشمال الغربي لمدينة حائل تلوح لك مدينة جبة بنخيلها وجبل أم سنمان الشهير (جبل على هيئة جمل بسنامين)، هذه المدينة منذ أن تطأ ترابها بخطوتك الأولى يُخيّل إليك أنها تبتسم، قلّة هي المدن التي تتخلى عن حيادها لأول وهلة، ولهذا أجزم أنها وحدها المدينة التي لا تعرف الغرباء، أهلها كرماء دون تكلّف أو مزايدة، الأبواب مُشرعة طوال الوقت و"الشبّات" للجميع، لا يوجد بروتوكول للضيف أو المضيف –هذه مصطلحات مجازية في جبّة – الأمر ببساطة أن رمزية الباب المفتوح تعني أن الضيافة جاهزة (الشاي والقهوة) فلا يحتاج القادم أن يُنادي أو يطرق الباب، في جبة أنت الضيف والمُضيف والناس إن شئت، تضاريسها أخّاذة، وفاتنة، وحميمة كقصيدة عظيمة. تتكئ على جبل أم سنمان الشهير بتشكيلاته اللافتة، وقدمك تغوص في رمال النفود الدافئة، قلّما تجد الرمل يضع خده على الجبل بأمان كما هو في هذه المدينة، عندما تقترب أكثر من جبل أم سنمان فإنك تشعر برهبة، شيء ما يسري في جسدك، عندما تقترب أكثر من هذه النقوش التي تعود للألف السابع قبل الميلاد كما يقول المختصون، عندما تشاهد نقش (العجلة) يمر التاريخ وامضاً وكأنه يريد أن يسخر من (نيوتن) واختراع العجلة، وعندما تشاهد نقوشا تعود إلى تلك الفترة (3500 قبل الميلاد) نقوش الحقبة لرجال لهم ذيول فإنه يخيّل إليك شبح (تشارلز داروين) وهو يبتسم ساخراً! التشكيلات الصخرية تجعلك تقف مشدوها تتساءل هل ذلك بفعل عوامل التعرية، أم أن عوامل التعرية تسببت في تغيير الملامح، كالتشكيلات الصخرية التي تبدو على هيئة أسد أو رجال يرتدون عمائم أو تيجان (حرس أم سمنان كما يسمونهم أهل جبة قديماً)، أهل المدينة ذاتهم محبون للتراث والتاريخ، فالغرفة التي باتت فيها الليدي بلنت مازالت شاهداً مهماً في (متحف النايف الأثري)، وفي المتحف بئر مهيب تُروى حولها الحكايات والأساطير، لعل من أبرزها رواية تُرجح أنها البئر التي أُلقي فيها النبي يوسف عليه السلام (كتاب إضاءات تنموية للوطن، عيد المعارك). تقول (الليدي بلنت) في مذكراتها عندما زارت حائل (1879م) عن مدينة جبة (جبة، من أغرب الأماكن في العالم، ومن أجملها، إنها إحدى مباهج النفود). في 2015 اعتمدت منظمة التراث العالمي "اليونيسكو" تسجيل النقوش الصخرية في جبة ضمن التراث العالمي، ثم ماذا؟ أضطر أن أترك السؤال مفتوحاً كأبواب أهل جبة – رغم فارق البهجة والألم أيضاً - فتوجيه السؤال لجهة معينة سيأتي منها بتعداد إنجازاتها (التي ستتم) و(تحت الدراسة) و(تأكيد الاهتمام)، فيما في الواقع لم يتغير شيء (عدا الشبك حولها)، وإلى الآن – بكل أسف - لا أحد يعرف عن هذا التراث العظيم سوى المهتمين بالآثار، وبعض الزوار الأجانب الذين جاء أغلبهم بدعوات شخصية من أهل جبة، ورغم ذلك لستُ متشائماً، فالأمل معقود بنواصي (رؤية 2030).