هنا، المدينة أخرى، وهم يتحدثون إلي من هناك حيث سكني، يحملون لي هواء الرياض المثلج، يمدون بأبخرة الصقيع لمخيلتي، بينما هنا ضجيج علب التكييف ينفث ذبذباته في أذني، يتمادى بالفرق والتناقض.. الأيام هي، والموسم واحد.. التفكر في تناقض المدن ليس يأتي بغير مفارقات الجغرافيا، ولكن العصافير المحلقة في الفضاء القريب تأوي إلى السدرة التي بالتأكيد كانت تغطي رأسها كلما خرجت من باب دارها وعادت، التي مررت أغصانها على جسدها المحمول في آخر مرة تخرج عن دارها وسوف لن تعود، هذه العصافير كانت قبل قليل تغرد ذات الصوت الذي ترسله عصافير نافذتي هناك.. هذه العصافير لا تختلف عن تلك، بيد أن نشوتها تختلف، وألوانها لا تتباين..!! ترى أتدري أنها ذات انتماء آخر عن تلك؟!، ترى أتحمل هوية المدينة، ومزايا أهلها؟!، ترى أتمثل ألوانهم، مفارقات عاداتهم، وطباعهم، وتتماثل معهم في خصائصهم؟! العصافير وحدها اللحظة تحرضني على التأمل، تخرجني بيد سطوة فتنه من باب صمتي، إلى براح حريتها، رغم أن النافذة مشرعة على سعتها، بينما المساحة في الشارع الممتد تكتظ بالعمار المتاخم، العمار الذي بالكاد يسمح للشمس أن تطل ببعض عينها، العمار الذي بالكاد يمنح الجار حرية النظر إليها، تحلق العصافير لتمنح كل شيء معنى آخر للأمكنة، والطبيعة، والحياة، ومدى الفضاء..!! العصافير لا تنتمي للمدن أبدًا..!!