علاء الدين محمود ستظل الترجمة تتطور دائما في اتجاه الوصول إلى درجة قريبة من التماثل من النص الأصلي، أي ذلك الذي كتب بلغة أخرى، هذا ما تبتغيه الترجمة الجيدة للنص، وهنا نتحدث عن الترجمة الأدبية للنص الابداعي، وبطبيعة الحال فإن المترجم يضع في حسبانه، تجنباً لما يطلق عليه الترجمة الحرفية، الكثير من الاعتبارات وعلى رأسها التعامل بخصوصية مع اللغة التي يترجم إليها، إذ إن هذه الخصوصية تفرض الكثير على المترجم، وربما يبذل بعض المترجمين في ذلك مجهوداً كبيراً يفرز في النهاية نصاً مختلفاً عن النص الأساسي المترجم عنه، وربما ذلك يشكل أول أبواب الخيانة في النص. يبدو صحيحاً استحالة أن يترجم النص من لغة إلى أخرى بحيث يصبح متماثلاً تماماً مع اللغة الأولى التي نقل منها، هذا أمر مستحيل، وغير مطلوب وربما يقود المجهود المبذول من المترجم في هذا الاتجاه إلى ابتذال النص وتشويهه، مهما كان المترجم على معرفة كبيرة بلغة النص الأصلية واللغة التي يريد أن يترجم إليها، فهنالك أشياء يحرص عليها المترجم وهي عملياً تعني تأويل النص الأدبي، أو الترجمة كعملية إعادة إبداع كون أن الترجمة الإبداعية هي بالفعل تأويل للنص الأدبي في مجالات الشعر أو الأجناس الأدبية الأخرى، وهي المسألة التي ينتج عنها عملاً إبداعياً موازياً، وربما تقود هذه العملية إلى عمل إبداعي جديد يتولد من الأول، وهو الإبداع الخاص بالمترجم نفسه الذي يضفي على النص جماليات ربما تتفوق على النص الأصلي، هنا تبرز روح المترجم المبدعة، ولكن هذا يؤدي في النهاية إلى خيانة النص. إن عبارة خيانة النص، تستخدم في توصيف لحظة يفارق فيها المترجم النص الأصلي، ويبرز نصه هو، هذا الحديث يصلح في أي نوع من أنواع الترجمة، ولكن نجد في الترجمة الإبداعية أن المترجم قد يصنع بالفعل نصاً مختلفاً تماماً عن النص الأصلي بلغته الأصلية، يطلق المترجم في تلك اللحظة لروحه المبدعة العنان، لتهيمن تماماً على النص الأصلي فتكون المحصلة النصوص التي يطلق عليها بعض المترجمين الجميلات المخادعات، وهي النصوص التي تبرجت وتزينت بمساحيق المترجم، فبدت في غاية البهاء، ونلاحظ أن الكثير من المراكز الأوروبية في سياق تشجيعها لأعمال الأدباء المهاجرين في أوروبا من جنسيات مختلفة، تقوم بترجمة أعمالهم تلك إلى اللغات الأوروبية بهذه الكيفية التي تحدثنا عنها، ترجمة في كثير من الأحيان تأخذ من روح النص، لتهيمن على النص تماماً روح المترجم، ومهما وصف المترجمون والنقاد هذه الترجمة بالجمال، وبالخيانة الجميلة إلا أنها تبقى مفارقة للنص الأول، مختلفة عنه وربما لا تعبر عن روحه. alaamhud33@gmail.com