أدمت الحادثة الإرهابية الأثيمة بمطعم رينا بإسطنبول «العاصمة السياحية لتركيا» ليلة رأس السنة الميلادية الجديدة 2017م قلوبنا في المملكة وكثير من دول العالم العربي والإسلامي، فقد قضى فيها 39 شخصاً أغلبهم مسلمون، ونسبة كبيرة منهم من السائحين من العائلات السعودية التي كانت موجودة في المطعم في ذلك التوقيت، وبعضهم كانوا من الأطفال، وبقي الناجون ليقصّوا علينا قصصاً تُشبه إلى حدٍّ كبير أفلام الأكشن الأمريكية، ولا يزال الإرهابيون طُلقاء حتى كتابة هذا المقال، إلا أن السلطات التركية حدَّدت هويتهم، ولا يزال البحث جارياً عنهم على قدمٍ وساق، نسأل الله أن يُمكِّن منهم عن قريب، وأن يمثلوا أمام العدالة، ثم أمام العدالة الإلهية يوم الدين. وبعد أن أفقنا من الصدمة الأولى، هجم بعض مرتادي وسائل التواصل الاجتماعي على الضحايا ونهشوا في لحومهم، وكأننا كُلِّفنا بحسن خواتيم الناس. والذين نحتسب على الله تعالى أن يكونوا في عداد الشهداء، فشأن المؤمن عند الله عظيم، وربما وجودهم في تلك الليلة بالمطعم كان عن طريق الصدفة، فلم يسبق لنا كدولة وشعب أن احتفلنا بليلة رأس السنة الميلادية، فأعيادنا نحن المسلمين قد حددها لنا حبيبنا وشفيعنا وقدوتنا وأسوتنا سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، ألا وهي عيدا الفطر والأضحى المباركان، اللذان هما في جوهرهما احتفال إيماني بتوفيق الله تعالى للطاعات السابقة لهما (الصيام، والحج)، فلعلَّ بعضهم جاءت به الأقدار بدون تخطيط منه إلى ذلك المطعم الذي يُقال أنه الأفخم في إسطنبول لتناول طعام العشاء، فالسلوى لقلوب آبائهم وأمهاتهم وأهليهم وكل أحبتهم ونحن أبناء المملكة، بأنهم قد قُتلوا وهم على شهادة التوحيد أولاً، وهم مظلومون ثانياً دون ذنب اقترفته أيديهم للقتلة المجرمين، فاللهم ارحمهم جميعاً واغفر لهم وجميع موتى المسلمين. أردفت تلك العملية الإرهابية بإسطنبول عملية إرهابية أخرى بعد أيامٍ معدودات وبالتحديد يوم الخميس 7 يناير 2017 على شكل تفجير إرهابي كبير هذه المرة في مدينة أزمير بغرب تركيا. ولا يحتاج المرء أن يكون عبقرياً لكي يُدرك أن تركيا مستهدفة في أمنها لتقويض اقتصادها بضرب السياحة التركية من خلال تنفيذ العمليات الإرهابية، خصوصاً بعد فشل محاولة الانقلاب العسكري المدعوم من الغرب، حسب تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أروغان. وتركيا مستهدفة لأن دينها الإسلام وهواها عربي، فهي تقف جنباً إلى جنب مع المملكة العربية السعودية صفاً واحداً في خندق الدفاع عن أهل السنة في زمن الخداع العالمي، ويأوي كل من البلدين السعودي والتركي أكثر من مليوني مهاجر سوري لكل منهما، وما توفره تركيا من مجهودات سياسية مع روسيا لمساندة المقاومة العسكرية السورية المعتدلة وتوفير غطاء سياسي للمقاومة. كما أن تركيا عضو فاعل في التحالف الإسلامي العسكري بقيادة المملكة لمحاربة الإرهاب، وتقدم للعالم نموذجا عصرياً للحضارة الإسلامية الحديثة، ونضرب لذلك مثالاً واحداً، فتركيا قدمت للعالم أكبر وأهم مشروع هندسي للعام المنصرم 2016 وهو النفق الذي يربط بين شقي إسطنبول الآسيوي والأوروبي من تحت مضيق البسفور وبسعة وعمق وعدد مسارات وأصول السلامة ما لا يتوفر في أي مشروع هندسي آخر على مستوى العالم. نسأل الله تعالى أن يُوفِّق خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي العهد وسمو ولي ولي العهد، وكذلك الحكومة التركية، في التمكين لأهل السنة في عالم شديد التقلبات.