مسرح الطفل في تونس ينفتح على العالم هناك من يرى أن مسرح الطفل مسرح يقدمه الكبار للصغار بشكل احترافي، لكن بإمكان الأطفال أيضا ممارسة المسرح كلعب درامي، ومن جهة أخرى يبقى المسرح الذي يقدم للأطفال اكتشافا حديثا، على عكس الفن المسرحي الذي يعود تاريخه إلى القرن الخامس قبل الميلاد. العرب التقت مدير أعرق مهرجان تونسي وعربي يهتم بمسرح الناشئة وهو مهرجان نيابوليس الدولي لمسرح الطفل بمحافظة نابل التونسية وليد بن عبدالسلام في حوار عن مسرح الطفل. العربعماد المي [نُشرفي2017/01/06، العدد: 10504، ص(15)] على الشعوب والحكومات الاستثمار في الناشئة يعتبر مسرح الطفل أو مسرح الأطفال أو مسرح الناشئة فنا مسرحيا خاصا وصعبا لأنه يخاطب شرائح عمرية لم يكتمل نموها، ولها تقلباتها ومميزاتها ولها حساسيتها وهشاشتها، وليس لها الآليات الكافية للفهم والتحليل، ومن ثمة وجب التعامل معها بحذر وانفتاح على علم نفس الطفل وعلم اجتماع العائلة وعلم اجتماع التربية، والاقتراب من الأطفال ومعرفتهم بشكل يساعد على اختيار ما يقدم لهم مسرحيا حتى نضمن النجاعة والبساطة، وهذا ما يسعى إليه مهرجان نيابوليس لمسرح الطفل بمحافظة نابل التونسية. الأول أفريقيا وعربيا في هذا الإطار يوضح لنا الممثل التونسي وأستاذ التربية المسرحية وليد بن عبدالسلام مدير المهرجان أن “نيابوليس” تنظمه جمعية مهرجان نيابوليس، التي تأسست سنة 1985، والتي تشرف على المهرجان انطلاقا من إيمانها بدور المسرح في التربية الشاملة للناشئة، وتهدف إلى نشر ثقافة التسامح لدى الناشئة والانفتاح على الثقافات الأخرى والارتقاء بذائقتهم الفنية، إذ يقدم المهرجان طيلة أيامه مادة مسرحية فنية تحترم عقل الطفل وذوقه وتساعده على النمو بشكل متوازن. وقد أصبح المهرجان دوليا منذ سنة 1994، حيث استقبل على مدى دوراته المتعاقبة عروضا مسرحية خاصة بالناشئة من القارات الخمس، من القطب الشمالي وجنوب أفريقيا والصين وروسيا وأوروبا الغربية وغيرها. عن انطلاقته مع مهرجان نيابوليس يقول عبدالسلام “بالنسبة إلي انطلقت منذ صغري بمهرجان نيابوليس إذ كنت من رواده منذ سنوات الدراسة بالمرحلة الابتدائية، ثم أصبحت شغوفا بالمسرح، وشاركت في إنتاج لجمعية المهرجان بعنوان ‘جنون الغابة‘ وهو من إخراج الفنانة أمال الفرجاني، وهي خريجة المعهد العالي للفن المسرحي. ثم بعد إتمام دراستي وتحصلي على شهادة ختم المرحلة الثانوية قررت التوجه إلى المعهد العالي والتخصص في المجال المسرحي”. الفنان يجب أن ينزل من البرج العاجي المزعوم ليستقي مشاغل المواطن، ويكون لسانه الناطق والمعبر عن تطلعاته ويتابع ضيفنا “كنت لمدة 8 سنوات كاتبا عاما لجمعية نيابوليس ثم توليت إدارة الدورة الـ30 التي كانت دورة مميزة إذ احتفلنا فيها بمرور 30 عاما من مسيرة المهرجان. وبعد نجاح الدورة انتخبت لأكون رئيسا لجمعية مهرجان نيابوليس الدولي أقدم مهرجان عربي وأفريقي في اختصاص مسرح الطفل”. نتطرق مع عبدالسلام إلى الحديث عن الدورة الـ31 من المهرجان التي من المقرر أن تنطلق في الثامن من يناير الحالي وتستمر إلى غاية الـ15 من الشهر نفسه، إذ يؤكد أن التحضيرات لهذه الدورة انطلقت منذ يناير 2016، أي منذ سنة، حتى يتمكن فريق التنظيم من الإعداد المحكم لها. ويلفت مدير المهرجان إلى أنه رغم تغيير رزنامة العطل المدرسية بالجمهورية التونسية الذي حرمهم من بعض العروض المبرمجة مسبقا، فإنهم تمكنوا من تفادي هذا الإشكال ببرمجة مجموعة من العروض الدولية من كل من فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وتركيا والأردن والشيلي وإيران والكويت والبحرين والإمارات والجزائر.. وغيرها من الدول، إضافة إلى مجموعة من العروض التونسية. وفي إطار الأهمية الكبرى للجانب التكويني في مسرح الطفل، قام المشرفون على هذه الدورة ببرمجة ورشات في التقنيات والمهارات التي توظف في مسرح الطفل، حيث سيقوم بإدارة الورشات وتأطيرها أخصائيون من العراق ولبنان وإيطاليا والشيلي ومصر، كما يلفت ضيفنا إلى أن عرض الافتتاح سيكون بعرض من جمهورية مصر العربية، من إنتاج فرقة مسرح القاهرة للعرائس، كما سيقع تكريم الفنان أحمد بدير لما قدمه لمسرح الناشئة، وتكريم لطفي المسعدي المندوب السابق للثقافة بمحافظة نابل لما بذله من جهود من أجل تطوير المهرجان والحرص على تواصله. يقول عبدالسلام “الخاص في هذه الدورة هو الاتفاق مع المنظمة العالمية اليونيسف على أن تكون شريكة لنا في هذه الدورة من خلال معرض يؤرخ لعيد المنظمة السبعين. والاتفاق أيضا على التعريف بالمنظمة وحقوق الطفل لدى الناشئة ورواد المهرجان. ثم ستقع برمجة زخم كبير من عروض مسرح الشارع بمعدل 3 عروض يوميا لتحتفل مدينة نابل بعرس مسرح الطفل. هذا إضافة إلى برمجة عروض موسيقية ومسرحية في ساحة الفنون وساحة الشهداء وساحة حقوق الإنسان، كما ستقع برمجة عروض لفائدة المناطق ذات الأولوية التربوية والمناطق الريفية، وذلك بالتعاون مع مندوبية التربية بنابل. علاوة على ذلك سيقدم المهرجان عروضا مسرحية للرضع، وهي تجربة فريدة يعيشها المهرجان منذ مدة مع الأطفال من 3 إلى 6 أشهر”. ويشير ضيفنا إلى أن المهرجان في إطار انفتاحه على كل الشرائح سيعرض أعمالا مسرحية خاصة بذوي الحاجيات الخصوصية، كعرض مسرحية “اللبيب من الإشارة يفهم” للفنان التونسي عبدالمنعم شويات. هذه الدورة من مهرجان نيابوليس تتميز بانفتاحها على كل الشرائح والأماكن والاتفاق مع المنظمة العالمية اليونيسف على أن تكون شريكا فتح الحدود يقودنا الحديث مع الممثل وليد عبدالسلام إلى مسرح الطفل في تونس، وهو لا يخفي أنه رغم اعتبار تونس بلدا متقدما في هذا المجال، ويدرّس مسرح الناشئة في المعهد العالي للفن المسرحي بتونس والكاف، تبقى المحاولات في التجريب لتطوير مسرح الطفل محتشمة مكتفية بما قدمته المدارس الكلاسيكية، كما يعتبر ضيفنا أن طريقة الطرح وكيفية التطرق إلى المواضيع الراهنة مازالتا سطحيتين رغم بعض المحاولات والمقاربات الجمالية لبعض المخرجين على غرار الفنان المختار الوزير والفنان محسن الأدب. لذا يدعو ضيفنا مؤسسة التكوين إلى الانفتاح على التجارب الجديدة وتطوير صناعة “العروسة” والمزيد من مراجعة النصوص المقترحة للطفل لأن طفل اليوم هو متفرج الغد ومواطن المستقبل. وحول رؤيته للمسرح التونسي عموما ومكانته بين المسارح العربية والعالمية، يقول عبدالسلام “المسرح التونسي يعتبر رائد المسرح العربي بامتياز، ولعل الدليل على ذلك انتشار الفنانين التونسيين في العالم العربي، إما حضورا في المهرجانات كمكونين وإما بعروضهم، ومع ذلك المسرح التونسي لم يدخل مرحلة الإنتاجية المربحة، لعدم استطاعته تكوين قاعدة جماهيرية، وذلك نتاج عوامل عدة كسياسة النظام السابق التي تسوق للمسرح التجاري على حساب التجارب المسرحية الأخرى، إضافة إلى عزوف التونسيين عن مشاهدة المسرح”. نسأل ضيفنا هنا عن المطلوب من المسرحيين في زمننا الحالي، وعن الدور الذي يجب على المثقف عموما القيام به أمام مجتمعه و إزاء وطنه، ليجيبنا بأن الفنان يجب أن ينزل من البرج العاجي المزعوم ليستقي مشكلات وهموم ومشاغل المواطن، ويكون لسانه الناطق والمعبر عن تطلعاته، لا أن يكتفي بالنصوص العالمية والإسقاطات. لذا عليه أن يلتحم بالشعب وألا يكون فنان بلاط ومطبلا للسلطة من أجل المصلحة الذاتية، حيث لن يخلق هذا في رأي ضيفنا غير مثقف السلطة المخادع لأفراد شعبه والطامس لهمومهم والمسوق للأكاذيب الخادمة والمنمقة لصورة الحاكم المتسلط والمستبد. نختم حديثنا مع عبدالسلام حول رسالته للعالم وللبشر كمبدع اليوم حيث يقول “رسالتي للعالم أنه على الشعوب والحكومات الاستثمار في الناشئة، ودعم المواد الفنية المقترحة للطفل والفن عموما، ورفع الحدود عن المثقفين، لأن الفنان لا يستطيع تطوير رسالته بمعزل عن العالم”. :: اقرأ أيضاً كاتب صيني: في الموت كما في الحياة لا عدالة ولا مساواة يوسف إدريس كاتب له ضحاياه شاعرة سعودية تهب الحياة للأشياء الصغيرة كلود مفرج ترسم بيروت بعيدا عن الذاكرة