هل تحاكم مصر رئيس إحدى أعرق المؤسسات الرياضية الإفريقية والتي تتخذ من القاهرة مقراً لها منذ تأسيسها في عام 1957؟ ففي خطوة تصعيدية كبيرة، ألغى جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية المصري حقوق البث الخاصة ببطولة كأس الأمم الإفريقية المقرر أن تعقد في الغابون 2017 وغيرها من البطولات القارية إلى مصر والتي سبق أن باعها الاتحاد الإفريقي "الكاف" لشركة فرنسية. وعقب قرار جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، الصادر الأربعاء 4 يناير/كانون الثاني 2017 بإحالة رئيس الاتحاد الإفريقي عيسى حياتو إلى النيابة لمخالفته نصوص القانون، اتخذ الجهاز الخميس 5 يناير 2017 جديدة ضد الاتحاد الإفريقي لكرة القدم. وأعلن الجهاز، في بيان له الخميس، تفاصيل تدابير جديدة تعتبر التعاقد بين الاتحاد الإفريقي لكرة القدم وشركة لاجاردير سبورت، لاحتكار بث البطولات فيما يخص السوق المصرية، "لاغياً"، ما يعني عدم التزام القاهرة باحتكار شركة بي إن سبورت القطرية بث البطولات الإفريقية والدولية بعد أن حصلت الشركة القطرية على حقوق البث من شركة لاجاردير الفرنسية للرياضة والترفيه التي اشترت حقوق البث الخاصة بكل البطولات الكاف. وطالب الجهاز الحكومي، التابع لوزارة التجارة المصرية، "الكاف" بإعطاء حقوق بث بطولة كأس إفريقيا التي ستبدأ في 14 يناير 2017، لشركة مصرية سبق أن تقدمت بعروض لبث البطولة، في إشارة إلى شركة "بريزنتيشن" المملوكة لرجل الأعمال أحمد أبو هشيمة المقرب من النظام، وكذلك لشركة إنترنت مصرية فيما يتعلق بحقوق البث على الإنترنت. وطلب الجهاز من الاتحاد الإفريقي إعادة طرح منح حقوق البث المباشر والحقوق الأخرى المتعلقة بالسوق المصري للفترة الزمنية من عام 2017 حتى عام 2028، والتي تم منحها لشركة لاجاردير سبورتس لـ"المنافسة الحرة" مرة أخرى وكذلك تغيير طريقة طرح حقوق البث المباشر المتعلقة بالسوق المصرية للبطولات الإفريقية، بحيث يتم فصل البطولات التي تجري في مصر عن غيرها، وعودة حقوق البث للاتحادات أو الأندية صاحبة الحقوق لبيعها بالطريقة التي تناسبها داخل مصر. وأعطى الجهاز المصري للاتحاد الإفريقي مهلة 60 يوماً للرد على الجهاز المصري حول موقفه من هذه المطالب المصرية، وهدد بإخطار الجهات الرسمية لتطبيق قراراته، ومراقبة التزام الاتحاد الإفريقي لكرة القدم بها. وطلب الجهاز من الاتحاد الإفريقي لكرة القدم اتباع أسلوب طرح لحقوق البث المباشر المتعلقة بالسوق المصرية للبطولات التي ينظمها على نحو يضمن منافسة حرة وعادلة وشفافة، والفصل بينه وبين الأسواق الأخرى، كذلك الفصل بين حقوق البث على التيفزيون والإنترنت بحيث تجمع بينهما شركة واحدة . وأحال "جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية"، الأربعاء، 4 يناير 2017 رئيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (كاف)، عيسى حياتو، إلى النيابة العامة؛ "لمخالفته بعض نصوص قانون الجهاز" المتعلقة بمنع الاحتكار، ما قد يوتر العلاقة بين مصر والاتحاد قبل أيام قليلة من انطلاق بطولة كأس الأمم الإفريقية. واعتبر الجهاز الحكومي، في بيان له، أن "رئيس (الكاف) أساء استخدام وضعه في أسلوب ونظام منح حقوق البث المتعلقة ببطولات كرة القدم، والذي يملك وحده حق استغلاله التجاري". واتهمت مني الجرف، رئيسة الجهاز، حياتو بمنح شركة لاجاردير سبورتس الفرنسية، المتعاقدة مع "بي إن سبورت" القطرية، حقوق بث هذه البطولات، لفترة 12 عاماً بدءاً من 2017 وحتى 2028، دون طرحها للزيادة على الشركات الأخرى، في إشارة إلى شركة بريزينتيشن سبورت المملوكة بنسبة 51% لرجل الإعمال المقرب من الحكومة المصرية "أحمد أبو هشيمة". وقالت "الجرف" لـ"هافينغتون بوست عربي" إنه "ثبت للجهاز من الوقائع والأدلة، قيام (الكاف) بالاتفاق مع هذه الشركة منذ شهر يونيو/حزيران 2015 على منحها حقوق البث للبطولات التي ستبدأ في عام 2017، أي قبل عام ونصف تقريباً من انتهاء الحقوق السارية حاليا"، و"تجاهل عمداً عدة مطالبات بطرح بيع هذه الحقوق في إطار مزايدة علنية تراعي قواعد المنافسة". وأبدت رئيسة الجهاز الحكومي المصري غضبها؛ لأن هذا "الاحتكار" يحرم مصر من حقوق البث المباشر التلفزيوني لبطولة كأس الأمم الإفريقية لعام 2017 المقرر انطلاقها يوم 14 يناير 2017، بينما يعطي هذه الحقوق لشركة لاجاردير سبورتس، المتعاقدة مع "بي إن سبورت". وطالبت بفصل حقوق البث داخل مصر عن بقية دول العالم، وفصل بيع حقوق البث التلفزيوني المباشر عن البث المباشر عبر الإنترنت. هل يمكن لمصر معاقبة "حياتو"؟ "المقرات الرياضية غالباً ما تكون (دبلوماسية)، وهناك حصانة دبلوماسية لها، ولكن هناك تنازعاً بين النطاق الوطني والدولي، غير أنه يجوز للدول أن تحاسبها لو أن اتفاقية المقر التي وقّع عليها الاتحاد الافريقي تتضمن التزامه بالقوانين المصرية الخاصة بمنع الاحتكار". هكذا يشرح الدكتور محمد فضل الله، الخبير في اللوائح الرياضية بالجامعة الأميركية في دبي، السيناريوهات المُحتملة للأزمة. ويخضع "الكاف" لقانون حماية المنافسة وملزم بتطبيقه وفقاً للمادة الثانية من اتفاقية المقر بين الحكومة المصرية والاتحاد، بحسب بيان جهاز حماية المنافسة المصري الصادر اليوم. وفِي هذا الإطار، أوضح د."فضل الله" لـ"هافينغتون بوست عربي"، أن هناك تنازعَ اختصاص بين السيادة الوطنية والقواعد الدولية، والأمر متوقف على ما يرد في نص اتفاقية المقر بين الحكومة المصرية والاتحاد، وهل هناك اتفاق على قبول الاتحاد الالتزام بقواعد عدم الاحتكار أم لا؟ ولفت إلى أنه يفترض أن عيسى حياتو لديه حصانة دبلوماسية بحكم منصبه ولا يمكن معاقبة مسؤول يمتلك الحصانة إلا إذا كانت المنظمة موقعة على اتفاقية مع دولة المقر تسمح بذلك، وكيفية التعامل مع هذه الحصانة تتوقف على حسب ما يرد في الاتفاقية، فلو صدرت الحصانة من وزارة الخارجية تتم مخاطبة الخارجية لرفع الحصانة ولو من الخارج يصعب رفعها. لا حصانة دبلوماسية ولكن مني الجرف رئيس جهاز حماية المنافسة، ردت بنفي أي حصانة دبلوماسية للاتحاد الإفريقي، وقالت إن الاتحاد الإفريقي لكرة القدم يخضع لكل قوانين مصر، بما فيها جهاز المنافسة بحسب اتفاقية المقر، وقالت إن "الاتحاد الإفريقي منظمة غير حكومية، ومن ثم لا يتمتع بأي حصانة دبلوماسية"، حسب قولها. وحول حق مصر في بث بطولات إفريقيا المقبلة في الغابون، قالت الجرف إنها تحركت بتدابير جنائية بإحالة الأمر إلى النيابة، ثم بتدابير إدارية يجب على الاتحاد الالتزام بها أو يتعرض لعقوبات ولو لم يستجب لها خلال 60 يوماً فالعقد بين الاتحاد الإفريقي والشركة القطرية سيكون "باطلاً"، و"لاغياً"، حسب تعبيرها. وتابعت قائلة: "وسيكون من حق الاتحاد المصري أن يعطي حقوق البث لمباريات مصر في إفريقيا للقنوات المصرية أو ما يراه الاتحاد المصري". و عام 2006 من مماطلة الحكومة المصرية في إبرام اتفاقية التأسيس مع الاتحاد الإفريقي مثلما يحدث مع كل المنظمات الأخرى رغم وجود اتفاق مسبق بين الحكومة و"الكاف" منذ عام 1996 بهذا الشأن. وأكد جهاز حماية المنافسة المصري، اليوم، تعليقاً منه عمّا تردّد بشأن نية الاتحاد الإفريقي لكرة القدم نقل مقره خارج مصر، أنه وفقاً للمادة 1 من النظام الأساسي للاتحاد الإفريقي لكرة القدم، فإنه يستلزم موافقة 75% على الأقل من أعضاء الجمعية العمومية للاتحاد، وعددهم 56 دولة، قبل اتخاذ هذا القرار، مشيراً إلى أنه سيخاطب كل الجهات المعنية بالدولة لضمان تنفيذ الاتحاد لقراراته، وإزالة الأضرار الجسيمة التي وقعت على الاقتصاد المصري نتيجة تصرفاته. وتعذر على "هافينغتون بوست عربي" الحصول على تعليق فوري من عيسى حياتو، ولم يصدر رد فعل من الاتحاد الإفريقي على الدعوى المصرية حتى كتابة هذا التقرير، كما تعذر الحصول على رد فعل من شركة Lagardère Sports على مطلب التحقيق المصري. دعاوى سابقة وفي سبتمبر/أيلول 2016، اتهم جهازا "" و""، والأخير جهاز حكومي مصري، شركة بي إن سبورت القطرية، بمخالفة قانون منع الاحتكار، كما اتهمت الشركة المصرية للأقمار الصناعية (نايل سات) القمر القطري "سهيل سات" بسحب عملاء القمر المصري أيضاً عبر هذا الاحتكار. وكان رجل الأعمال، المقرب من النظام في مصر، أحمد أبو هشيمة، صاحب شركة "إعلام المصريين"، ومالك شركة بريزنتيشن سبورت، قد تقدم في نهاية أغسطس/آب 2016، بعرض رسمي للاتحاد الإفريقي لكرة القدم (الكاف) للحصول على حقوق بث جميع مسابقات الاتحاد. وقالت شركة بريزنتيشن سبورت إنها تقدمت بعرض قيمته 600 مليون دولار إلى شركة لو جارديرLagardère التي تمتلك حقوق البث لجميع مسابقات "الكاف"؛ للحصول على حقوق البث الفضائي للبطولات الإفريقية لمدة 12 عاماً بعقد ينتهي في 2029، وقدمت شكاوى في هذا الصدد. This company, , claim ignored their more competitive bid (see document below), in favour of Lagardere Sports. — Osasu Obayiuwana (@osasuo) وم شركة Lagardère Sports التي تمتلك بدورها 70% من المجموعة الرياضية العالمية "WSG" بسنغافورة، التابعة للقطري محمد بن همام المرشح السابق لرئاسة والرئيس الأسبق للاتحاد الآسيوي الحالي. وفي نوفمبر، نجحت مصر في انتزاع حقوق بث مباراة منتخبها الوطني مع غانا بالتصفيات الإفريقية المؤهلة لنهائيات كأس العالم في روسيا 2018، وتم بثها على قناة أون سبورت المصرية المملوكة لأبو هشيمة، وهي المرة الأولى من نوعها منذ أن سيطرت "بي إن سبورت" على منطقة الشرق الأوسط. معركة قضائية كبيرة ويأتي البيان الجديد لجهاز حماية المنافسة ضمن معركة قضائية ورياضية، مصرية-قطرية، تستهدف شركة بي إن سبورت القطرية، التي حاولت شركة بريزينتيشن سبورت منافسة عروضها لاحتكار بث مباريات الاتحاد الإفريقي بتقديم عرض مغرٍ، ولكنها فشلت. وسبق لجهاز منع الاحتكار المصري في 6 سبتمبر 2016 اتهام الشركة القطرية بمخالفة المادة 8 من قانون "حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية"، وقال إنه يسعى للتصدي لها، متهماً القمر القطري "سهيل سات" بسحب عملاء القمر المصري "نايل سات" أيضاً، إلا أنه لم ينجح في عقاب الشركة القطرية. وقال الجهاز في بيانه حينئذ، إن شبكة بي إن سبورت "تسيء استخدام وضعها المسيطر"، وأنه ثبتت "مخالفتان" في حقها، ملوحاً باتخاذ إجراءات لحماية حقوق المشاهدين والعاملين بالسوق، دون الإفصاح عنها. ويتهم الجهاز الحكومي المصري الشركة القطرية، بأنها "أجبرت المشاهدين على أنظمة اشتراك تحدُّ من حريتهم في اختيار ما يناسبهم ويلائم احتياجاتهم"، كما أجبرتهم "على استقبال الباقات المشتركين عليها بواسطة القمر القطري (سهيل سات) بدلاً من القمر (نايل سات)، وتكبدهم في سبيل ذلك مصاريف غير مبررة"، حسب الجهاز. ووفقا لـ"مني الجرف" رئيسة الجهاز: "أعطي الجهاز (بي إن سبورت) مهلة 30 يوماً لتصحيح موقفها وإنهاء الاحتكار، وبعد عدم الاستجابة، يجري تقديم بلاغ للنيابة للتحقيق وتحريك القضية إلى المحكمة، والعقوبات هنا تكون بتوريد الشركة المحتكرة نسبة تقدر بـ1 إلى 10% من العائد الذي حصلت عليه لصالح خزينة الحكومة المصرية". "سهيل سات" قلص أرباح "نايل سات" وفي 29 يونيو 2016، أكدت الشركة المصرية للأقمار الصناعية (نايل سات) إن القمر الصناعي القطري "سهيل سات"، تسبب في تخفيض عدد القنوات القمرية الخاصة بها وأثر على نشاطها تأثيراً سلبياً، حيث سحب عملاء مصريين وعرباً منها، مشيرة إلى تقلص أرباحها هذا العام 2%. و الذي نشرته على موقع البورصة، إن "سهيل سات"، الذي تم إطلاقه في 2013، "يعمل على الاستئثار ببث النشاط الرياضي في العالم على أقماره باعتبار أنه المنتج الإعلامي الأول الذي يجذب جميع المشاهدين"، وأنه "يحاول التأثير سلباً على النايل سات". وأشارت الشركة المصرية إلى أن القمر القطري سيبث أيضاً 35 قناة ترفيه متميزة؛ "لمحاولة جذب مشاهدي (نايل سات)"، وأنها تحاول العمل على الحفاظ على وضعها التنافسي، مشيرة إلى أنه لا يزال لديها 650 قناة على أقمارها الصناعية.