×
محافظة المنطقة الشرقية

قنصلية عامة للمملكة في «قوانزو» الصينية

صورة الخبر

ينتمي النظام الجزائري إلى تلك المجموعة من الأنظمة العربية «الممانعة» التي جمعت في شكل اعتباطي وزائف بين شعاري الاشتراكية والقومية، فلم تفلح في أي منهما، ولم تقدم إلى شعوبها سوى نسخ مشوهة من المفهومين الاقتصادي والسياسي. فلا الاشتراكية الجزائرية حققت غرضها في جعل الجزائريين يعيشون رفاه إيجابياتها، ولا القومية حالت دون دخول الجزائر في عداوات مع جوارها العربي، بل إن هذين الشعارين حوّلا «بلد المليون شهيد» إلى ديكتاتورية عسكرية وأمنية تدين بالولاء للحزب الواحد والرئيس الواحد، على غرار سورية وليبيا والعراق. مناسبة هذا الكلام أن بعض مناطق الجزائر تشهد منذ بداية العام الجديد تظاهرات احتجاج على إجراءات اقتصادية ومالية قررتها الحكومة وطاولت على وجه الخصوص الفئات المتوسطة والمنخفضة الدخل، وارتفعت بموجبها أسعار السلع الاستهلاكية والوقود بأكثر من 40 في المئة. وجاءت هذه الإجراءات في إطار موازنة 2017 التي وُضعت على أساس سعر 50 دولاراً لبرميل النفط، المصدر الرئيس للعائدات، والتي تفرض ضرائب جديدة تطاول الفئات الشعبية الأقل قدرة شرائية. والواقع أن أزمة الجزائر، على رغم طابعها المعيشي، تكمن أساساً في تركيبة نظامها الذي لم يعد يتلاءم مع وعي الجزائريين الذين تقل أعمار 70 في المئة منهم عن ثلاثين عاماً. فالرئيس المريض بوتفليقة الذي أعيد انتخابه لولاية رابعة في تجاوز مقونن للدستور، ليس سوى واجهة يحكم من ورائها جنرالاتُ الجيش والأمن ويتحكمون برقاب مواطنيهم، ملوحين لهم كل الوقت بفزاعة الإرهاب الذي يخيرونهم بينه وبين القبول بالديكتاتورية والفساد. وهو ما كرره وزير الداخلية تعليقاً على الاحتجاجات الأخيرة التي تحولت إلى أعمال شغب بعدما واجهتها الشرطة بالعنف، عندما اعتبر أن الإرهاب هو التهديد الأول الذي تواجهه الجزائر في 2017 بسبب الأوضاع المتدهورة في الدول المجاورة، في إشارة إلى ليبيا وتونس، ومتوعداً في الوقت نفسه بأن حكومته «سترد بيد من حديد على محاولات زعزعة الاستقرار والأمن». وهي اللغة نفسها التي استخدمها النظام السوري عندما اقتلع رجال استخباراته أظافر أطفال في درعا خطّوا عبارات احتجاج على حائط، قبل أن يواجهوا المتظاهرين المسالمين بالرصاص، وعندما اعتبر بشار الأسد أن السوريين المطالبين بالتغيير والحرية ليسوا سوى «إرهابيين» يحركهم الخارج، وأنهم «مجموعات من السحالي والقوارض» هدفها التعكير على «عروبة» نظامه وإلهائه عن «القضايا القومية» التي «يكرس نفسه» لها. وهي أيضاً اللغة نفسها التي استخدمها معمر القذافي لوصف الليبيين الذين خرجوا ينشدون الحرية وتداول السلطة، فلم يجد لوصفهم أفضل من «جرذان ومرتزقة» يريدون القضاء على نظام «الضباط الأحرار» و «الجماهيرية الشعبية الاشتراكية العظمى». أحزاب وتنظيمات المعارضة الجزائرية التي دانت أعمال الشغب، رأت في الإجراءات الاقتصادية الجديدة إجحافاً في حق ذوي الدخل المنخفض (الحد الأدنى للأجور يساوي 163 دولاراً) وتعسفاً في فرض الضرائب على من لا يستطيعون دفعها شملت السكن والكهرباء والوقود، وحتى رسوم رفع القمامة، وشجبت أسلوب الدولة في التعاطي مع المطالب الشعبية، سواء بالإهمال أو القمع، معتبرة أن حل المشكلات يكمن أولاً في الاعتراف بوجودها، ثم في وضع حلول ناجعة تقوم خصوصاً على محاربة الفساد المستشري. وسواء تصاعد الوضع في الجزائر بسرعة وتحول إلى مواجهات واسعة النطاق، أو هدأ بانتظار جولة جديدة بين النظام وشعبه، فإن التظاهرات الحالية توجه رسالة قوية بضرورة اجتراح معالجة جدية، فهل يستطيع بوتفليقة وجنرالاته الخروج من حال الإنكار وتجنيب بلدهم مصير ليبيا وسورية قبل فوات الأوان؟