×
محافظة المنطقة الشرقية

تقنيات جديدة في معرض المنتجات الإلكترونية الاستهلاكية في لاس فيغاس

صورة الخبر

كريم إسماعيل في 2015 اهتز المجتمع التونسي على وقع ثلاث هجمات كبرى على متحف باردو، وحافلة الحرس الرئاسي، بوسط العاصمة، وفندقين في سوسة. وفي كل الحالات أطل داعش ليعلن مسؤوليته، وبمنفذين تونسيين، أو أغلبهم من التونسيين. وفي مارس/آذار عام 2016 دحرت تونس محاولة إقامة إمارة لداعش في مدينة بن قردان الحدودية مع ليبيا بعد معارك واشتباكات استمرت نحو أسبوعين. لكن العام 2016 مر من دون أحداث فاجعة مماثلة للهجمات الكبرى السابقة. وكذا من دون اغتيالات تعيد البلاد إلى أجواء عام 2013 حين اغتيل القياديان اليساريان شكري بلعيد، ومحمد البراهمي في العاصمة، اللهم إلا اغتيال المهندس المخترع محمد الزواري في صفاقس قبل أيام، مع ترجيح تورط إرهاب الموساد الإسرائيلي، وليس الإرهابيين الأصوليين الإسلاميين. وعلى هذا النحو، فإن صورة العام 2016 في مجملها تسمح بامتداح نجاح أمني نسبي في التوقي من مزيد الهجمات الإرهابية لداعش وغيره من التنظيمات الدينية المتطرفة، خصوصاً أن حصيلة غير رسمية بحلول نهاية العام أفادت بتفكيك 160 شبكة إرهابية وضبط 19 مخزناً للأسلحة في مختلف أنحاء البلاد. لكن السؤال الذي يؤرق ظل كما هو. بل أضيف إليه آخر لا يقل خطورة. كان، وظل السؤال الأول هو(لماذا؟)، بعد أن أعلن تقرير للأمم المتحدة في عام 2015 أن تونس تتقدم دول العالم في أعداد الشباب الذين يذهبون للقتال في بؤر التوتر، كسوريا والعراق وليبيا، فضلاً عن مالي واليمن. ولماذا هنا، تقترن بالاستغراب لكون دولة الاستقلال في هذا البلد، ومنذ الخمسينات تبنت تجربة متقدمة بين محيطها العربي والإسلامي في التحديث، تعليماً وتحريراً للمرأة. أما السؤال الذي أضيف على وقع الهزائم والتضييقات الحربية التي يعانيها مؤخراً داعش في الإقليم من ليبيا إلى العراق وسوريا والتي تدفع مقاتلي الإرهاب التونسيين إلى العودة إلى وطنهم فهو (كيف؟). السؤال الأول لم تكن الإجابة عنه بالسهلة، أو محل اتفاق التونسيين، وما زالت. وثمة هنا أكثر من إجابة حائرة من استهداف شبكات الإرهاب بالتجنيد والتسفير ضحايا الفقر والتهميش الاقتصادي والاجتماعي، إلى المؤامرة الخارجية، إلى إخفاق مشروع الحداثة البورقيبي. أما السؤال الثاني (كيف) فقد استدعى رد فعل جماعي كاسح يمتزج فيه رفض عودة الدواعش، وغيرهم من الإرهابيين، بالخوف والفزع مما قد يحملونه إلى المجتمع من مخاطر. وقد اضطر الرئيس الباجي قائد السبسي إلى تقديم أكثر من توضيح في مواجهة سيل لا يتوقف من ردود الفعل الفزعة والغاضبة على تصريح صحفي له في باريس بداية شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، بأن الدستور التونسي الجديد يحظر منع أي مواطن من العودة، أو سحب الجنسية، وبأن السجون مكتظة. كما عاد الرئيس التونسي وتعهد بأن من سيعود من الإرهابيين ستجرى محاكمته بمقتضى قانون مكافحة الإرهاب الجديد، الذي يقضي بسجن من تورط في أنشطة أو تنظيمات إرهابية متطرفة في الخارج. لكن الشعار الموقف (لا لعودة الإرهابيين) فرض نفسه عبر مواقف المجتمع المدني، يتقدمها الاتحاد العام للشغل. وانتقل إلى تظاهرات في الشارع أمام مقر البرلمان، ثم المساجلات داخل البرلمان. ووجدت حكومة يوسف الشاهد نفسها تتبنى الشعار الموقف في تصريحات رئيسها، وفي بياناتها. لكن معضلة الحكومة ومعها الدولة التونسية هنا، لا تقتصر على المادة 25 من الدستور التي أشار إليها السبسي في باريس. كما لا تتوقف عند كون حزب حركة النهضة (الكتلة الأولى الآن في البرلمان بعد انشقاق حزب نداء تونس والشريك الثاني في الحكومة المسماة بالوحدة الوطنية)، يقف صامتاً حذراً من شعار (لا لعودة الإرهابيين)، وإن كان رئيسه راشد الغنوشي صرح الأسبوع الماضي بمثل شعبي مفاده أن الأهل أولى باللحم النتن. فثمة أيضاً ضغوط خارجية تتعرض لها تونس كي تستقبل شبابها الضال، سواء أكانوا مجرد مهاجرين غير شرعيين، أو متورطين في تنظيمات الإرهاب المعولم، ممن حملوا السلاح وقاتلوا على أكثر من جبهة. وبالطبع فإن ليس كل مهاجر غير شرعي إلى أوروبا، أو غيرها متورط في الإرهاب، أو مشروع إرهابي. لكن الحكومة ومعها الدولة التونسية، أصبحت تحت ضغط دولي وأوروبي غير مسبوق كي تستعيد لا مجرد مواطنيها الإرهابيين المهزومين في جبهات القتال بالخارج، بل وبالجملة مهاجريها غير الشرعيين. وهذا ما استجد إثر هجوم برلين الأخير، وتبين تورط شاب تونسي من المهاجرين غير الشرعيين (أنيس العامري) في عملية دهس إرهابية. وهو حدث وبالأسلوب نفسه، أعاد للأذهان هجوم نيس 14 يوليو/تموز الماضي المتورط فيه الشاب التونسي أيضاً محمد بو هلال. مخاوف الرأي العام التونسي لها ما يبررها في إعلان موقف الرفض القاطع لعودة الإرهابيين. خصوصاً إذا وضعنا إلى جانب مسلسل الهجمات الإرهابية التي روعت المجتمع على مدى السنوات القليلة الماضية وألمحنا إليها في بداية هذا المقال، نتائج دراسات علمية محلية على قضايا الإرهاب بتونس. وقد أكدت الترابط الوثيق بين الشبكات والتنظيمات، محلياً وإقليمياً ودولياً، وسرعة انتقال كبرى التنظيمات التونسية بعد الثورة ويتقدمها أنصار الشريعة من التصريح بأن تونس أرض دعوة إلى تهريب السلاح والتدريبات العسكرية وأعمال العنف داخل البلاد، واعتبار أن تونس أرض جهاد. لكن غير المنطقي تونسياً في شعار (لا لعودة الإرهابيين) وفي الإجابة عن سؤال (كيف؟) هو القفز على حقيقة أن الإرهابيين عادوا، ويعودون بالفعل. والآن ثمة حقيقة تبرز من تصريحات رسمية متتالية بمثابة الإيضاحات. وهي أن 800 عادوا بين 2007 و2016 (وفق تصريح وزير الداخلية)، وأن هناك 2926 آخرين في الخارج (كما قال الرئيس السبسي نصاً وحصراً). وقد أصبح في عداد المفروغ منه تأكيد الخطاب الرسمي وبغرض الطمأنة بأن العائدين إما في السجون ينتظرون المحاكمة، أو يخضعون للمراقبة الأمنية. كما يذهب الخطاب ذاته إلى أن الجهات الأمنية المختصة لديها قوائم بأسماء ومعطيات ما لا يقل عن ثلاثة آلاف تونسي في بؤر التوتر بالخارج. وبالقطع، فإن من المفيد النقاش المجتمعي، واتخاذ القرارات من المؤسسات المختصة حول حلول آنية من قبيل إقامة سجن مشدد لعزل الإرهابيين العائدين، أو إصدار بطاقات هوية وجوازات سفر مميزة لهم، أو حتى تطوير بنك بمعلوماتهم، وبصماتهم الجينية. فضلاً عن ضرورة الكشف عن شبكات التسفير للقتال في الخارج، ومحاسبة المسؤولين عنها. لكن الأهم هو وضع الحلول والسياسات الكفيلة بمنع مولد أجيال جديدة من الإرهابيين في تونس، ومعها إنقاذ الشباب المهمش من الوقوع في مصيدة دعاة وتنظيمات الإرهاب. وهو ما يعيدنا إلى ضرورة بذل الجهود للإجابة عن السؤال: (لماذا؟). *كاتب مصري متخصص في الشأن التونسي