يودع العالم الإسلامي اليوم أحد أهم الدعاة طوال التاريخ الإسلامي الشيخ عبد الرحمن السميط، الذي وافته المنية صباح أمس الخميس في الكويت، إثر معاناة طويلة مع المرض. وعاش الداعية الكويتي الشهور الأخيرة ببالغ الصعوبة، تنقل من خلالها بين الكويت ودول أخرى كألمانيا لتلقي العلاج بعد أن ساءت حالته الصحية في الكويت بسبب أزمة قلبية وارتفاع في ضغط الدم. قالوا عن الراحل يقول الشيخ خالد العجيمي رئيس لجنة شباب إفريقيا في الندوة العالمية للشباب الإسلامي لـالاقتصادية إن الإيرانيين أسهموا وبشكل كبير في إبعاد الداعية عبد الرحمن السميط عن إكمال نشاطه الدعوي في الدعوة إلى الإسلام في مدغشقر، موضحاً أنهم قاموا بإغراء الحكومة المحلية بإغداق الأموال عليها لإبعاده لكي يساهموا في نشر التشيع في القارة السمراء. في حين اعتبر الدكتور صالح الوهيبي الأمين العام للندوة العالمية للشباب الإسلامي أن الدعوة مرت بمراحل متعددة بعد أحداث 11 سبتمبر والنشاط الحكومي الدعوي مر بمرحلة تقليص مؤلمة وكانت عواقبها وخيمة، حيث مكنت إيران من التوسع في نشاطاتها واكتساب ساحات كبيرة واستغلت الثغرة بسببنا نحن في دول الخليج وأعطيناها فرصة ثمينة لعلها أن تعود. وأضاف: أن الإيرانيين حفروا كثيراً للفقيد الداعية عبد الرحمن السميط على العكس من النصارى في إفريقيا، وبقي مكتبه وقد زرناه قبل شهرين من الآن ولا يزال نشاط مكتبه محدودا ولم يغلق نظراً لكون مدير مكتبه يحمل جنسية البلد وكان له نشاط كبير وكتب عنه العديد من المقالات في مجلة الكوثر الصادرة عن مؤسسته الخيرية. وأوضح العجيمي أن الدكتور عبد الرحمن السميط كان ينوي إنشاء أربع جامعات أنشئت اثنتين منها، حيث تعد الجامعة الأولى في شرق إفريقيا هي أول جامعة في كينيا وقام بتسميتها جامعة الأمة، والثانية في جزيرة زنجبار وسميت كلية التربية، وتعتبر أول كلية جامعية في زنجبار على الرغم من أن الجامعات تحتاج إلى تمويل ضخم وتكلف قرابة المليون دولار في السنة لذلك لم يكن من السهل إنشاؤها عدا مدارس الأيتام الخاصة التي كان يتولى رعايتها ويدرس فيها المنهج الحكومي، إضافة إلى المناهج الدراسية الإسلامية وساهم في عمارة المساجد وحفر الآبار وكانت لديه كاريزما جعلت محبي العمل الخيري يدعمونه سواء في الكويت أو السعودية، إضافة إلى أنه اهتم بعمل الأوقاف. وأكد أن رحلات الفقيد الراحل الدعوية في إفريقيا كانت ترهقه وتثقل كاهله كثيراً وأثرت بشكل كبير على صحته كثيراً وزوجته وقفت معه بشكل كبير في السراء والضراء وكانت معه في كل الأحوال كان يبيت مع الأيتام ولا يستأجر في الفنادق، مكاتبه ضعفت في السنتين الأخيرتين ويجب ألا تموت منظمته نظراً لتاريخها المشرف ولنا اتفاقية معه، حيث لا يلزمنا إنشاء مكاتب في المناطق التي توجد فيها مؤسسته الخيرية وكانت رحلاته ثلاثة أنواع: الأولى مع أسرته والثانية مع مرافقيه من المكتب الخاص في الكويت ورحلاته مع رجال الأعمال الخليجيين في طائرات خاصة . من جانبه أشار الدكتور صالح الوهيبي الأمين العام للندوة العالمية للشباب الإسلامي لـالاقتصادية أن الفقيد الراحل امتاز بالتفاني في الدعوة إلى الله وهو ما جعل له هذه السمعة لدى الناس نتيجة إخلاصه للعمل لوجه الله تعالى، مضيفاً أنه كان يتحدث بحرقة عن ضرورة مواصلة الإنجازات وتجنب الإخفاقات وكان يعيش الهم ليل نهار. وقال: كان من القلائل في العالم الإسلامي الذين جمعوا بين الإدارة العليا للمنظمة والعمل الميداني وقل أن تجد له نظيرا، إضافة إلى أن تخصصه وتوجهه في الاكتفاء بالعمل في إفريقيا غير العربية وعدم الخروج لمناطق أخرى ساهم في توسع نشاطه، وهذا خير له من تشتت تركيز نشاطه، كما أنه لم يكن يتدخل في الشؤون المحلية أو القبلية أو السياسية لأي بلد لتجنب العواقب غير الحميدة. وأضاف الوهيبي: ركز الفقيد الراحل على محاور قليلة وهي المحور الدعوي والتنموي والتعليمي واعتمد على العناصر المحلية والعربية لتجنب إشكالية قضية اللغة وهذه العوامل أنجحت عمله الذي امتد لـ 30 سنة في إفريقيا وقابلته في أواخر السبعينات الميلادية في أمريكا وكان يحمل هم الدعوة إلى الله في إفريقيا وكان من أبرز ما لديه هو العمل الميداني، ولم يكن يجلس في المكاتب وكان يتابع العمل ولم يكن يعمل من أجل الشهرة خصوصاً أنها ليست متاحة في ذلك الوقت فهو مثال على العمل المتخصص الناجح ونحن لا نعلق الأعمال بالأشخاص والأمة قادرة على أن تلد رجالا ونساء يسدون الفجوة التي تركها الفقيد الراحل وعملنا معاً في عدة مناطق في القارة الإفريقية. تعرض السميط في إفريقيا لمحاولات اغتيال عديدة ولكن نجا منها بإرادة الله. أيقونة الرحمة والإغاثة من جهته يقول سامي عبد الله الدريس المهتم بالعمل الدعوي والخيري عن السميط: ماذا نسميه؟: الشيخ، الدكتور، الداعية، لقد أضحى رحمه الله أكبر من كل هذه الألقاب، فيكفي أن تقول (السميط) ويعرف الجميع عمن تتكلم، إنه علم في رأسه نور. السميط - رحمه الله - ليس داعية كويتياً كما يوصف أحياناً، لقد تجاوز النطاقات الصغيرة التي تضيق عن استيعاب حجم إنجازاته التي تجاوز بها ما تعجز عنه مؤسسات ومنظمات تتوافر فيها ميزانيات ضخمة وكوادر بشرية كبيرة، أنجزها بجهده الفردي الذي باركه الله وأعانه عليه بما علمه سبحانه من صدقه وإخلاصه، فأسلم على يديه الملايين الذين ربما ماتوا على ضلالهم لولا أن الله أنقذهم بهذا الرجل المبارك. ولقد تعلم عشرات الآلاف من أطفال ورجال إفريقيا بسبب ما أتاحه لهم من فرص، وبنى للناس في إفريقيا آلاف المساجد، وحفر أضعافها من الآبار، وأنجز - رحمه الله - كثيراً، وحقق خيراً وفيراً. وتابع: ماذا قدمت (الأم تريزا) حتى تكون أيقونة عالمية، ولا يكون السميط كذلك، إلا إنها قوة المؤسسات في الغرب وقوة الإعلام، السميط هو أيقونتنا للعالم وللإنسانية (السميط أيقونة الرحمة والإغاثة)، هكذا ينبغي أن تعمل مؤسسات وهيئات الإغاثة في العالمين العربي والإسلامي والجامعات ومؤسسات الإعلام لنصنع من هذا الرجل (أيقونة عالمية). وقال الدريس أن السميط يرحمه الله توقف، لكن ينبغي ألا يتوقف أثره، وهذا يتم من خلال مسارين، الأول: إنشاء (مؤسسة السميط للدعوة والإغاثة) تسير على نهجه وتواصل أعماله وتتابع منجزاته رحمه الله، والثاني (إنشاء وقف بالحجم الذي يتناسب مع حجم منجزاته في إفريقيا ليصرف على أعمال المؤسسة) واحتياجاتها بحيث لا تتعثر المشاريع والبرامج بسبب توقف أو شح مصادر الإنفاق، التاجر الموفق الذي يتبنى أمانة هذا (الوقف) فوق أنه سيحقق إحدى أهم أمنيات السميط يرحمه الله وأحلامه التي طالما حلم بها، سيفوز بأجور من يهديهم الله إلى الإسلام وينقذهم من الضلال بسبب تلك المؤسسة. وأضاف: أخيراً: أمنيتان لم تتحققا، واحدة له والأخرى لي، فقد تمنى يرحمه الله أن يموت ويدفن في (ضرماء) بلد آبائه وأهله قبل هجرتهم إلى الزبير سنة 1779م ثم الكويت سنة 1823م، وأمنيتي كانت أن أسافر معه في إحدى رحلاته الدعوية والإغاثية في إفريقيا لأتعلم منه ومعه الكثير، ولم تتحقق أمنيته كما لم تتحقق لي أمنيتي. مشوار الدعوة أسلم على يدي الداعية أكثر من 11 مليون شخص في إفريقيا بعد أن قضى أكثر من 29 سنة ينشر الإسلام في القارة السمراء قبل أن يصبح ناشطاً في العمل الخيري، مما جعل أكثر من 11 مليون شخص يسلمون على يده، واستمر السميط يعمل في الدعوة بعد أن طعن في السن وأثقله المرض. وبدأ السميط رحلته الدعوية من الصفر، وكانت أمنيته أن يعمل بإفريقيا منذ أن كان بالثانوية، فقد كان يتمنى أن ينتهي من الطب ثم يذهب إلى هناك، وتحقق له هذا الحلم بسبب تبرع إحدى المحسنات في الكويت- زوجة جابر الأحمد الصباح أمير الكويت السابق- التي طلبت من السميط أن يبني لها مسجدا خارج الكويت وفي بلد محتاج، فبنى لها مسجدا في جمهورية ملاوي في إفريقيا، وهناك رأى المبشرين الأوروبيين متمكنين بعملهم، وقد بنوا للسكّان عدّة كنائس، أما المساجد فإن وجد أحدها يكون غالبًا صغير الحجم، مبنيا من القش يتعرض في بعض الأحيان لنهش الأبقار من شدة جوعها، والإمام لا يقرأ الفاتحة، والناس عراة، وهناك أناس لا تجد شيئا تأكله، الوجبة الفاخرة عندهم عبارة عن ذرة. استمر هو وزوجته في جمهورية ملاوي ثم رحلا إلى أربعين دولة في إفريقيا، وبنيا فيها المساجد والمراكز ودور الأيتام والمستوصفات. ويقول السميط حول موعد نهاية مشواره الدعوي: سألقي عصا الترحال يوم أن تضمن الجنة لي، وما دمت دون ذلك فلا مفر من العمل حتى يأتي اليقين فالحساب عسير. كيف يراد لي أن أتقاعد وأرتاح والملايين بحاجة إلى من يهديهم، وكيف أرتاح بدنياً وكل أسبوع يدخل الإسلام العشرات من أبناء الأنتيمور - قبيلة عربية تعيش في إفريقيا - من خلال برامجنا، ونرى كل يوم أن المناوئين للإسلام لا يدخرون جهداً ولا مالاً في سبيل إبعاد أبناء هذه القبيلة التي كانت عربية مسلمة عن الإسلام، وينفقون كل سنة عشرات الملايين ولديهم عشرات من العاملين هنا. فقد كرس الدكتور السميط حياته وجمعيته جمعية العون المباشر والجمعية الخيرية الدعوية للدعوة في القارة الإفريقية، وقد أثمر هذا الكفاح الطويل نتائج كبيرة، فهناك آلاف الدعاة الذين يعملون في جمعية العون المباشر، وهم ممن أسلم على يد الدكتور السميط، وأصبحوا دعاة للإسلام، ومنهم قساوسة ورجال دين نصارى اعتنقوا الإسلام. خلال وجوده في إنجلترا للحصول على دبلوم في أمراض المناطق الحارة من ليفربول. رحلة في الأدغال كان سبب اهتمام السميط بإفريقيا هو دراسة ميدانية للجنة أكدت أن ملايين المسلمين في القارة السوداء لا يعرفون عن الإسلام إلا خرافات وأساطير لا أساس لها من الصحة، وبالتالي فغالبيتهم - خاصة أطفالهم في المدارس - عرضة للتنصير. وهاجر الدكتور عبد الرحمن السميط إلى مدغشقر هو وزوجته أم صهيب بشكل نهائي للتفرغ لدعوة قبائل الأنتيمور ومتابعة أنشطة جمعية العون المباشر في إفريقيا. منذ سنوات قاد حب الاستطلاع السميط لزيارة قرية نائية اسمها مكة، ثم بدأ بحثاً علمياً موسعاً عن قبيلة الأنتيمور ذات الأصول العربية الحجازية، وهي نموذج من العرب والمسلمين الضائعين في إفريقيا, وجب عليه إنقاذهم من الضلال والشرك، وأغلبهم ذوو أصول إسلامية. وشعوراً بعظم المسؤولية قرر السميط أن يقضي أغلب وقته وأنذر ما تبقى من حياته لصالح قبيلة الأنتيمور، على الرغم من أن الطريق ليس سهلاً. واستقر السميط بين قبيلة الأنتيمور وبنى بيتاً له لكي يخدم الدعوة في هذه الأصقاع. وعمل أمورا كثيرة في خدمة هذه القبيلة من بناء مساجد وكفالة أيتام ودعوة وتعليم وصحة وحفر آبار, وإنشاء مقبرة للمسلمين لعدم توافر واحدة هناك، كل هذا تحت عنوان مشروعه الدعوي المسمى أسلمة قبائل الأنتيمور. تفرغ السميط للدعوة في إفريقيا وقرر العيش وسط قبيلة الأنتيمور، ووضع خطة لنشر الإسلام بينهم لمدة 25 سنة من خلال جمع مبلغ 50 مليون ريال وقفاً على المسلمين الضائعين من أمثالهم. تحت تهديد الاغتيال تعرض السميط في إفريقيا للاغتيال مرات عديدة من قبل المليشيات المسلحة بسبب حضوره الطاغي في أوساط الفقراء والمحتاجين، كما حاصرته أفعى الكوبرا في موزمبيق، وكينيا، وملاوي غير مرة لكن الله نجاه، إضافة إلى لسع البعوض في تلك القرى وشح الماء وانقطاع الكهرباء. وتعرض في حياته لمحن السجون، وكان أقساها أسره على يد البعثيين حيث سجن مرتين، الأولى في بغداد عام 1970 وكاد يعدم، والثانية عام 1990 عندما اعتقلته المخابرات العراقية في أثنـاء غـزو العراق للكويت. بروفايل نشأ عبد الرحمن السميط في الكويت، وتعلم في مدارسها حتى المرحلة الثانوية، ثم ابتعث في يوليو عام 1972 إلى جامعة بغداد للحصول على بكالوريوس الطب والجراحة. غادر بعدها إلى جامعة ليفربول في المملكة المتحدة للحصول على دبلوم أمراض المناطق الحارة في أبريل 1974، ثم سافر إلى كندا ليتخصص في مجال الجهاز الهضمي والأمراض الباطنية. تخصص في جامعة ماكجل- مستشفى مونتريال العام- في الأمراض الباطنية، ثم في أمراض الجهاز الهضمي كطبيب ممارس من يوليو 1974 إلى ديسمبر 1978، ثم عمل طبيبا متخصصا في مستشفى كلية الملكة في لندن من عام 1979 إلى 1980. ثم عاد إلى الكويت عاملاً فيها بعد سنين الخبرة في الخارج، حيث عمل إخصائياً في أمراض الجهاز الهضمي في مستشفى الصباح في الفترة من 1980 - 1983، ونشر العديد من الأبحاث العلمية والطبية في مجال القولون والفحص بالمنظار لأورام السرطان، كما أصدر أربعة كتب هي: لبيك إفريقيا، دمعة على إفريقيا، رسالة إلى ولدي، العرب والمسلمون في مدغشقر، إضافة إلى العديد من البحوث وأوراق العمل ومئات المقالات التي نشرت في صحف متنوعة، تولى منصب أمين عام جمعية مسلمي إفريقيا عام 1981، وما زال على رأس الجمعية بعد أن تغير اسمها إلى جمعية العون المباشر في 1999، ومنذ 1983 تفرغ السميط للعمل في جمعية العون المباشر كأمين عام ثم رئيس مجلس الإدارة حتى 2008، وهو حالياً مدير مركز أبحاث دراسات العمل الخيري في الكويت. كما شارك في تأسيس ورئاسة عدد من الجمعيات العلمية والخيرية والدعوية في العالم العربي والإسلامي.