كافأت الجامعة الأردنية واحداً من طلبتها كان (فقط!) فاز بأول ميدالية ذهبية في تاريخ الأردن الأولمبي، بأن حرمته من مواد الفصل الذي كان يتدرّب خلاله من أجل خوض منافسات بطولة التايكواندو في أولمبياد ريو 2016. البطل الأولمبي الأردني أحمد أبو غوش فاز بالذهب بجدارة واقتدار، متغلّباً على أعتى اللاعبين العالميين، وبصفة خاصة الإسباني جويل غونزاليس، صاحب ذهبية أولمبياد لندن 2012، والروسي أليكسي دينيسينكو، صاحب الميدالية الفضية في أولمبياد لندن 2012، وصاحب فضية بطولة العالم في روسيا عام 2015، ومن قبلهما الكوري الجنوبي لي دان هون، وسواهم من اللاعبين المحترفين. كان مبرّر الجامعة التي يدرس أبو غوش في كلية التربية الرياضية فيها، أنّ الطالب تغيّب بما نسبته مائة في المائة من عدد أيام الحضور. وأنّ الجامعة ملتزمة تطبيق القوانين، في حين كتب أبو غوش على صفحته على «الفايسبوك»، أنّ مسؤولي الجامعة «قاموا بحرماني من المواد المسجلة لي بهذا الفصل، وذلك بداعي الغياب عن الجامعة، رغم كل الوعود والتعهدات التي وعدوني بها قبل بداية الفصل وأثناء الدوام الجامعي بمراعاتي في ما يتعلق بالغيابات». وتساءل: «كيف تطالبون أي لاعب بالإنجاز وبذل أقصى الجهد وأنتم لا توفرون له أقل متطلبات النجاح من راحة نفسية ومراعاة في الحضور؟». وتتكثف في معاناة هذا اللاعب الأولمبي آلام سائر المبدعين في العالم العربي، أو من هم على درب الإبداع والابتكار والتفوّق، فالبيروقراطية تفترس الجزء الأكبر من العقل المخطّط، والاهتمام بقماشة القوانين على حرْفيتها يعلو أي شيء. هم لا يدرون ماذا يعني هذا الإنجاز الأولمبي، ولا ماذا يحتاج مثل هذا الإنجاز كي يتحقق. والأنكى، أنّ الاختباء وراء تطبيق القانون يغدو نكتة سمجة إذا ما علمنا بالانتهاكات اليومية التي ترتكب بحق القانون، وأمام أولئك المشرّعين أنفسهم وبأيديهم أحياناً. فمن يعش في الأردن يعلم أنّ تجاوزات القانون تتم في كل لحظة، وأنّ الفساد الإداري والمالي ينهش، كلَّ لحظة، ما تبقى من هيبة القانون وقدسيته. ولو افترضنا جدلاً أنّ تطبيق القوانين يتم بصرامة على نحو يضاهي ما يجري في الدانمارك، فهل في الامتثال لروح القانون ومراعاة ظروف الطالب والبطل الأولمبي انتهاك للقوانين؟ هل المطلوب من الجامعات أن تخرّج طلاباً حافظين دروسهم، يتقنون استرجاعها على نحو تقيّؤيّ أو ببغاوي، أم أنّ وظيفة التعليم أن يُتوَّج بمبدعين وعباقرة وأصحاب إنجازات مبهرة كما فعل أبو غوش؟ لقد شاركت في الأولمبياد الأخير شابات وشباب في عمر أبو غوش، ومن المؤكد أنهم غابوا عن جامعاتهم ومدارسهم وعملهم. فهل كوفئوا بمثل ما كوفئ البطل الأردني؟ لا أحد يجادل في أهمية تطبيق القانون بعدالة وشفافية وبمسطرة واحدة على الجميع. لكن حتى في الديموقراطيات العريقة في العالم، يتم «خرق» القوانين، لأسباب وجاهيّة، ما دام هذا «الخرق» لا يؤثر في القانون نفسه، ويمنح الآخرين القدرة على الخلق والتحدي. وهذا ما كان يأمله أبو غوش. فكم من لاعب أردني يظفر بالذهب في الألعاب الأولمبية؟ وكم من مبدع يجود به الزمان في المجتمعات المتصحّرة فنياً وأدبياً وعلمياً؟ سنقتل هذا الجواد بذريعة تطبيق القانون، كما قتلنا من قبله كثيرين بذريعة الحفاظ على التقاليد، وعدم خدش الحياء العام، وعدم الإساءة للأديان والسلم الأهلي. وقد راح رئيس بلدية في شمالي الأردن، يزيل منحوتات فنية من على مدخل المدينة، بذريعة أنّ فيها تجسيداً يخالف الشريعة، ومضى من قبله من هو أكثر حداثة من المسؤول السابق، فاقتلع دوّاراً بأكمله في عمّان عليه منحوتة عمرها عشرات السنين، ووضع مكانها إشارة ضوئية! * كاتب وأكاديمي أردني