العرب في الحقيقة لا يفهمون من السياسة سوى الأخبار. وهي غالبا ما تكون مجرد اقنعة. الأخبار لا تقول الحقائق وإن كانت تنقل الوقائع. وهو التباس لا يمكن التعرف عليه في ظل الانحياز القطيعي لفكرة ما من الأفكار. لقد دربت الشعوب العربية بطريقة لا تنطوي فيها السياسة على أي نوع من أنواع الجدل. وهو ما مكن الأنظمة الشمولية من فرض مواقفها المتشددة التي قادت إلى الكوارث التي دفعت الشعوب نفسها ثمنها. السياسيون بالفطرة كانوا في حقيقتهم مجرد سلال، رمى فيها السياسيون نفايات أخطائهم. ما لم تفطن له العامة في العالم العربي أن سياسييها أنفسهم لم يكونوا على قدر من الفهم الذي يؤهلهم لدخول عالم السياسة. اليوم إذا اتيحت لنا الفرصة لمراجعة خطابات جمال عبدالناصر وصدام حسين وحافظ الأسد والسادات ومعمر القذافي وعلي عبدالله صالح ستفجعنا سذاجة حديثهم في السياسة. كانوا شعبويين، بطريقة تكشف عن أن اهتمامهم بالسياسة لم يكن يختلف عن اهتمام رجل الشارع العادي بها. من المفجع أن لا يكون زعماء العرب التاريخيين سياسيين، بالمعنى الاحترافي. وبرغم كل ما أحدثه الجهل السياسي من نكبات عبر عقود من الحكم الوطني فإن هوس العامة بالسياسة لم يخف ولم يهدأ. لا يزال الحديث في السياسة هو ما يهب الجلسات حيوية استثنائية. لا يهم في شيء إذا كان ذلك الحديث يعبر عن فهم عميق لعالم السياسة الذي هو عالم الغاز واسرار أم كان مجرد اجترار لما يُشاع من أخبار، وهي في معظمها لا تقول الحقيقة. بسبب ذلك الهوس أضاع العرب أوقاتهم في ما لا ينفع. فسياسيو العالم العربي سواء كانوا منتخبين أم معينين لا ينظرون بطريقة جادة إلى ما يقوله الناس. هناك فجوة تاريخية بين الطرفين، سببها اشتباك مفهوم الحكم بروح الاستبداد. كل سياسي حتى وإن كان معارضا هو مستبد صغير. فاروق يوسف