استهل النفط الخام تعاملات العام الجديد على مكاسب سعرية واسعة، حيث سجلت الأسعار أعلى مستوى في 18 شهرا، بسبب الآمال والثقة المحيطة باتفاق المنتجين في أوبك والمستقلين على خفض المعروض العالمي بنحو 2 في المائة، وبحجم 1.8 مليون برميل يوميا. وعلى الرغم من تخلي النفط فيما بعد عن مكاسبه الأولية إلا أن السوق تفاعلت سريعا خاصة مع مبادرة الكويت لتنفيذ حصتها بالكامل المقررة في الاجتماع الوزاري الأخير لمنظمة أوبك في 30 نوفمبر الماضي لخفض الإنتاج، ما جدد التفاؤل بقدرة السوق على سرعة استعادة التوازن وتحقيق الأهداف المرجوة من اتفاقي فيينا الخاصين بخفض إنتاج أوبك بنحو 1.2 مليون برميل يوميا والمنتجين المستقلين بنحو 558 ألف برميل يوميا. وتوقع مختصون أن تكون المكاسب السعرية للنفط الخام في يناير الجاري عند أعلى المستويات، خاصة إذا تواكب ذلك مع تحسن جيد في مؤشرات الطلب العالمي وتقلص تأثير العوامل السلبية مثل ارتفاع الدولار والمخزونات والمضاربات في السوق، منوهين إلى أن السوق في حالة ترقب وتوجس في بعض الدول من توجهات الإدارة الأمريكية الجديدة التي تتولى مقاليد السلطة رسميا في 20 يناير الجاري بقيادة الرئيس دونالد ترمب. وفى هذا الإطار، قال لـ"الاقتصادية" المهندس بيرت ويكيرنك مدير أنظمة التشغيل في شركة "كيوا " للغاز في هولندا، إن سوق النفط الخام بدأ العام الجديد في أجواء شديدة الايجابية، في ضوء القناعة الواسعة في السوق بنجاح المنتجين في خطة خفض الإنتاج، مشيرا إلى أن شهر يناير سيشهد تحقيق مزيد من المكاسب السعرية القياسية، وربما يكون تعافي الأسواق والأسعار بخطى أسرع كثيرا من المتوقع، خاصة أن خام برنت يقترب حاليا من حاجز 60 دولارا للبرميل. وأضاف، أن خفض الإنتاج الكويتي بشكل سريع يعد علامة إيجابية وردا قويا على المشككين في مواقف المنتجين، مشيرا إلى أن الالتزام الخليجي ربما يكون أقوى من بقية المنتجين تجاه الاتفاق، منوها إلى أن الموقف الكويتي موقف مهم ومسؤول خاصة أن الكويت تتولى رئاسة اللجنة الوزارية المعنية بمراقبة اتفاق خفض الإنتاج وقد أعطت مثالا جيدا بهذا الأمر لبقية المنتجين، ليحرصوا على دعم الاتفاق وكفالة النجاح والاستمرارية له. وقال إنه بحسب بيانات شركة نفط الكويت تم خفض الحصة المطلوبة وهى 131 ألف برميل يوميا ليصل حجم إنتاج الكويت إلى 75ر2 مليون برميل يوميا، مشيرا إلى أهمية أن يسارع بقية المنتجين إلى تنفيذ نفس الخطوة وفق الحصص المقررة لكل منهم باستثناء روسيا التي تواجه صعوبات فنية في الخفض المفاجئ وستعتمد على الخفض التدريجي، لتكتمل حصتها البالغة 300 ألف برميل يوميا بنهاية مارس المقبل. من جانبه، أوضح لـ"الاقتصادية" أندرياس جيني؛ مدير شركة ماكسويل كوانت للخدمات النفطية، أن الحفارات النفطية الأمريكية اختتمت العام الماضي على ارتفاعات متتالية عوضت بها أقصى مستويات الانخفاض التي حدثت في مايو الماضي، بسبب تهاوي الأسعار، مشيرا إلى أن الإنتاج الأمريكي سينشط من جديد بعد تعافي الأسعار ووصول عدد الحفارات إلى 525 حفارا وهو أعلى مستوى منذ يناير من العام الماضي. وأشار إلى السوق تترقب سياسات الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترمب الذي سيتولى السلطة رسميا في 20 يناير الجاري، حيث كان قد تحدث في حملته الإنتخابية عن إقدامه على إلغاء الاتفاق النووي مع إيران الذي تم بموجبه رفع العقوبات الاقتصادية، منوها إلى أن هذا الأمر له تأثيرات واسعة في سوق النفط الخام ويثير قلقا واسعا في الأوساط الإيرانية التي واجهت حالة من إحجام البنوك الدولية وشركات الطاقة العالمية عن الاستثمار في إيران في الفترة الراهنة. وأضاف، أن قطاع النفط الصخري يترقب أيضا من الإدارة الأمريكية الجديدة مزيدا من الحوافز والتسهيلات للتغلب على الصعوبات المالية السابقة، مشيرا إلى صعوبة تقليل الاعتماد على الطاقة التقليدية في الولايات المتحدة مهما تركزت الجهود على تنمية الطاقة المتجددة ودعم موارد النفط والغاز الصخريين. من ناحيته، أشار لـ"الاقتصادية" رالف فالتمان؛ المحلل في شركة اكسبرو للخدمات النفطية، إلى أن نتائج اتفاق خفض الإنتاج من المتوقع أن تكون مبهرة في الربع الأول من العام الجاري، بشرط التزام كل المنتجين وفاعلية دور اللجنة الوزارية لمراقبة الاتفاق، مشيرا إلى أن خفض 1.8 مليون برميل من المعروض النفطي العالمي هو حجم جيد في البداية على أن يتم تطويره في ضوء تقييم نمو مستويات الطلب. وأشار إلى أن مستويات الطلب العالمي إذا حققت قفزات خلال العام الجاري - وهو أمر وارد - قد لا تكون هناك حاجة إلى الاستمرار في خفض الإنتاج والعكس صحيح فإن استمرار تباطؤ الطلب وبقاء حالة التخمة في الأسواق، قد تتطلب تعديل الاتفاق بعد ستة أشهر ليكون حجم خفض الإنتاج أكبر وأكثر تأثيرا في توازن العرض والطلب. ونوه إلى أن السعودية سبقت أن أكدت أن توازن السوق قادم سواء تم خفض الإنتاج أم لا ولكن مرحلة التوازن الكامل لا يمكن التنبؤ بموعدها بدقة، ولذا كان تحرك المنتجين نحو التعجيل بحدوث هذا التوازن من خلال تقليص المعروض، وهو الأمر الذي يحتاج إليه المنتجون لدعم ميزانياتهم وزيادة العوائد إلى المستويات الملائمة لاقتصادياتهم، وأيضا لتحريك المياه الراكدة في مجال الاستثمارات التي تجمدت بسبب ضعف الأسعار على مدار ثلاثة أعوام. من ناحية أخرى فيما يخص الأسعار، سجلت أسعار النفط أعلى مستوى في 18 شهرا بفضل آمال بأن ينجح اتفاق بين المنتجين من أوبك ومن خارجها على خفض إنتاج النفط - الذي بدأ سريانه يوم الأحد - في القضاء على تخمة المعروض في السوق العالمية. وارتفع مزيج برنت الخام أكثر من 2 في المائة إلى 58.37 دولار للبرميل بزيادة 1.55 دولارا للبرميل، مسجلا أعلى مستوى منذ يوليو 2015، وبحلول الساعة 09:40 بتوقيت جرينتش تراجع برنت قليلا إلى 58.22 دولار، لكن ظل مرتفعا 1.40 دولار. فيما سجل الخام الأمريكي الخفيف أعلى مستوى في 18 شهرا وبلغ 55.24 دولار بزيادة 1.52 دولار للبرميل وهو أيضا الأعلى منذ يوليو 2015. وفي الأول من يناير، بدأ سريان الاتفاق الذي توصلت إليه أوبك في نوفمبر مع منتجين مستقلين مثل روسيا بشأن خفض الإنتاج بنحو 1.8 مليون برميل يوميا. وقال هانز فان كليف كبير المحللين الاقتصاديين للطاقة في بنك أيه.بي.إن أمرو في أمستردام، إن "الدلائل الأولي تلمح إلى أن تخفيضات الإنتاج من المنتجين في أوبك وخارجها تدعم الآمال بتقليص التخمة العالمية". ويتفق مع كليف في الرأي، ريك سبونر كبير محللي السوق في سي.إم.سي ماركتس، إذ قال "ستبحث السوق عن دلائل على خفض الإنتاج. الأمر الأكثر ترجيحا أن أعضاء أوبك والمنتجين من خارجها سيلتزمون بالاتفاق ولا سيما في المراحل الأولى". وقفزت أسعار النفط بالسوق الأوروبية أمس، في مستهل تعاملات 2017 لأعلى مستوى في 18 شهرا، بعدما خفضت الكويت إنتاجها من النفط ضمن الاتفاق العالمي لخفض الإنتاج، الذي يهدف إلى تحقيق الاستقرار في أسواق النفط ويدعم الأسعار. وبحلول الساعة 09:35 بتوقيت جرينتش ارتفع الخام الأمريكي إلى مستوى 55.05 دولار للبرميل من مستوى الافتتاح 54.11 دولار، وسجل أعلى مستوى 55.22 دولار الأعلى منذ 6 يوليو 2015، وأدنى مستوى 53.90 دولار. وصعد خام برنت "عقود مارس" إلى مستوى 58.10 دولار للبرميل من مستوى الافتتاح 57.12 دولار وسجل أعلى مستوى 58.36 دولار الأعلى منذ 15 يوليو 2015 وأدنى مستوى 56.93 دولار. وحققت أسعار النفط ارتفاعا بنحو 10 في المائة على مدار تعاملات ديسمبر، في ثاني مكسب شهري على التوالي، بعد اتفاق أوبك والمنتجين المستقلين على خفض الإنتاج العالمي بنحو 1.8 مليون برميل. وحقق النفط الخام الأمريكي ارتفاعا بنسبة 45 في المائة على مدار عام 2016، في أول مكسب سنوي منذ 2013، وبالنسبة للخام الدولي خام برنت فقد حقق مكسبا سنويا بنحو 50 في المائة، وهو أكبر مكسب سنوي منذ عام 2009. وتعود الارتفاعات القوية لأسعار النفط خلال العام الماضي إلى التحركات القوية لمنظمة الدول المصدرة للنفط " أوبك " لتحقيق الاستقرار في السوق ودعم الأسعار، وانتهت هذه التحركات إلى اتفاق عالمي يشمل المنتجين المستقلين، بخفض المعروض في الأسواق بنحو 1.8 مليون برميل يوميا، ودخل هذا الاتفاق التنفيذ الفعلي بداية من هذا الشهر. من جانب آخر، أعلنت منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك"، أن سعر سلتها اختتم عام 2016 على مستوى 53.30 دولار للبرميل بمكسب أكثر من دولارين مقارنة بمنتصف ديسمبر الماضي الذي سجلت فيه 50.96 دولار للبرميل. ومن المعروف أن سلة خام أوبك تضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة، وذلك بعد تجميد عضوية إندونيسيا في الاجتماع الوزاري الأخير في 30 نوفمبر الماضي.