بينما أنا أقرأ خبر توقيع نائب وزير الصحة للشؤون الصحية الدكتور منصور الحواسي أمس على بطاقة التبرع بأعضائه عقب وفاته، وذلك عقب افتتاحه معرض الحملة التوعوية في اليوم العالمي للكلى. تذكرت أنني سبق منذ سنوات طوال أن وقعت في مناسبة حاشدة على مثل هذه البطاقة. وهناك وزراء آخرون رحلوا عن هذه الدنيا -يرحمهم الله- وقعوا على البطاقة نفسها وسط أضواء فلاشات التصوير والتصريحات البليغة. لكن واقع الحال أن الأمر يبقى مجرد عرض تحفيزي، لا يتبعه فعل حقيقي. والعودة إلى الأرشيف تؤكد ما أقوله، ولا أريد هنا أن أطرح أسماء، فالأمر فقط يتطلب آلية تحفظ للمتبرع حقه في التبرع وتجعل هذا الموضوع جزءا من سجله الطبي المتاح سواء في المستشفيات الحكومية أو الخاصة. مبادرة مثل هذه تنطوي على فعل إنساني راق، وأثره يتجلى سريعا من خلال إنعاش أرواح أخرى تظل تعاني أمر العذاب بدون وجود مثل هذه المبادرات النبيلة. ومع ذلك فإن هذا الفعل يظل محدودا، ولا نراه إلا في حالات "الكوما" طويلة الأمد. بينما في حالات أخرى مثل الحوادث أفضل ما يفعله المستشفى العام والخاص هو رفع الأجهزة وإعلان حالة الوفاة للمصاب، دون التفكير في عرض الأمر على أسرة المتوفى ومحاولة أخذ موافقة منهم بإحياء جزء من فقيدهم من خلال منح أعضائه لآخرين. بل إنني أتذكر تجربة لن أذكر اسم صاحبها، وصل إلى المستشفى بعد وفاة فلذة كبده، وعندما أفاق من الصدمة وفكر في أن يتبرع بأعضاء الفقيد، اكتشف أن الأمر قد انتهى ولم يعد ذلك ممكنا. إنني أثني على قرار الدكتور الحواسي وكل إنسان أسهم في إحياء الأجساد التي تعاني أدواء الكلى والقلب والعمى وغيرها من أمراض وعلل تحتاج إلى مبادرات نبيلة. عندما ينتهي عمر الإنسان، لا يمكن إعادته للحياة، ورغم ألم الفقد، لكن منح آخرين فرصا أخرى للحياة بالتبرع بالأعضاء أمر رائع وينسجم مع الحس الإنساني الراقي. على الأقل عندما تتلفت من حولك، سوف ترى جزءا حيا ممن فقدت، لا يزال يمشي على الأرض.