كان وليد الإبي ذو العشرين ربيعاً عائداً مع زوجته من منزل والدها إلى منزلهما في حي الجراف شمال العاصمة صنعاء مساء الجمعة 4 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، عندما فوجئ بثلة من المسلحين الحوثيين يريدون اعتقاله، وعلى رغم محاولة سكان الحي الذين استنجدت بهم الزوجة الحيلولة دون ذلك، إلا أنهم استسلموا للأمر الواقع بعد تعهد المسلحين إعادته إلى منزله عقب التحقيق معه في مقر إدارة البحث الجنائي. بيد أن المسلحين الحوثيين لم يسمحوا بعد ذلك لأقرباء الإبي بزيارته أو منحهم أي معلومات عنه، ويقول (أ. ع) وهو أحد أفراد الأسرة لـ «الحياة» بعد خمسة أيام من اعتقاله: «تلقت الأسرة اتصالاً من أحد جنود البحث الجنائي يخبرها فيه بمقتل وليد على يد الحوثيين، وأن جثته في مستشفى الكويت في صنعاء». وأوضح (أ. ع) أن وليد الذي كان يعمل مدرساً ولم يمض على زواجه سوى شهرين ونصف «قتل بطلق ناري من مسدس في مقدمة رأسه»، وقال إن جنوداً في إدارة البحث الجنائي أبلغوا الأسرة أن «وليد سخر من التهمة التي وجهها إليه مشرف الحوثيين أثناء التحقيق معه، ومن اتهامه بالارتباط بحزب الإصلاح وقوات التحالف، ما دفع الأخير المكنى أبو رائد لإطلاق النار عليه وقتله». وأكد المصدر أن الحوثيين رفضوا تسليم جثة وليد لأسرته إلا بعد «توقيع إقرار بأن وليد انتحر»، وتساءل: «كيف سينتحر وليد بطلق ناري وهو لا يملك مسدساً؟»، مشيراً إلى أن التقرير الطبي عن حالة وليد كشف أنه تعرض لتعذيب شديد وأنه يعاني من كسور في أضلاعه، وكدمات في أنحاء متفرقة من جسده. وليد الإبي واحد من آلاف المعتقلين القابعين في سجون الميليشيات الحوثية الذين يتعرضون لصنوف شتى من التعذيب الجسدي والنفسي، والعديد منهم قضوا في تلك السجون، إما قتلاً على أيدي المسلحين كوليد، أو جراء التعذيب الشديد الذي يتعرضون له، سواء بالضرب بأعقاب الأسلحة الرشاشة والهراوات، أم بالصعق الكهربائي والكي بالسجائر في أنحاء متفرقة من أجسادهم، وفي أحسن الأحول الإصابة بعاهة مستديمة كالشلل وغيره. وفي مدينة ذمار (100 كيلومتر إلى الجنوب من العاصمة صنعاء) أعلن الخميس الماضي عن مقتل الجندي في الدفاع المدني مأمون الحبيشي جراء التعذيب الذي تعرض له من مسلحي الحوثي في أحد سجون المدينة. وقالت مصادر محلية تحدثت إلى «الحياة» إن الجندي الذي كان يعمل سائقاً لعربة إطفاء في مصلحة الدفاع المدني اعتقله الحوثيون قبل نحو أربعة أشهر بتهمة تمزيق صورة زعيم الجماعة حسين بدرالدين الحوثي الذي قتل على يد الجيش اليمني في الحرب الأولى من سلسلة حروب صعدة عام 2004، وأنه «تعرض لصنوف التعذيب الشديد»، مؤكدة أن «المسلحين أبلغوا مصلحة الدفاع المدني في مدينة ذمار بمقتل الحبيشي وأن عليها إبلاغ أقاربه للحضور لأخذ جثته». 70 مقتولاً في المعتقلات رابطة أمهات المختطفين والمعتقلين في سجون الحوثي، أكدت أن عدد الذين قتلوا بعد الاختطاف وصل «إلى 70 مختطفاً بحسب إحصائيات منظمات حقوقية، بعضهم قضى تحت التعذيب وآخرون كدروع بشرية، وهناك من توفي جراء الإهمال الصحي بعد التعرض للتعذيب المميت»، واستنكرت الرابطة في بيان لها «الصمت المطبق لمنظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية تجاه جرائم الميليشيات الحوثية التي ترتكب بحق المختطفين الأبرياء». وطالبت الرابطة في البيان الصادر عن وقفتها الاحتجاجية الخميس الماضي أمام سجن الأمن السياسي في صنعاء «المجتمع الدولي وفي المقدمة الأمم المتحدة بإنشاء هيئة تحقيق دولية مستقلة مهمتها الكشف عن المتسبب في جرائم التعذيب التي تتم للمعتقلين وتقديم المتسببين إلى محاكمة عادلة في القريب العاجل لينالوا جزاء ما اقترفته أيديهم بحق المختطفين الأبرياء». وقالت الرابطة: «ونحن نطالب بالإفراج الفوري عن جميع أبنائنا المختطفين والمخفيين قسراً في سجون جماعة الحوثي وصالح المسلحة، نطالب أيضاً بالحفاظ على حياتهم من أي خطر يحدق بهم»، محملة الميليشيات مسؤولية «ما يتعرض له المختطفون في سجونهم من تعذيب وتصفية جسدية». وفي واقعة أخرى، اعتقل الحوثيون أحد المدرسين بتهمة العلاقة بقائد عسكري في الجيش الوطني، وخلال فترة اعتقاله التي دامت نحو ثلاثة أشهر، تعرض لتعذيب شديد على أيدي المسلحين، وأكد (ع. ع) الذي تحدث إلى «الحياة» تعرضه «للضرب بالهراوات، والركل والصعق الكهربائي والكي بالسجائر». وقال (ع. ع) الذي كانت آثار التعذيب ظاهرة على أنحاء متفرقة من جسمه: «كان المسلحون يهددوني بالقتل إن لم اعترف بالتهم الموجهة إلي، على رغم أنها تهم غير حقيقية»، مشيراً إلى أنه تمكن من الخروج من السجن بعد تدخل شيخ المنطقة الذي يعمل مع الحوثيين، وتعهده لهم خطياً بعدم «العمل أو التعاون مع ذلك القائد الذي لا يربطني به غير الانتماء للقبيلة، وعدم التعاطف مع قوات الجيش الوطني والحكومة الشرعية بأي شكل من الأشكال». اعتقالات الحوثيين لم تستهدف المنتمين إلى حزب التجمع اليمني للإصلاح والناشطين مع الجيش الوطني والمقاومة الشعبية المساندة للسلطات الشرعية فحسب، بل طاولت آلاف الأبرياء الذين ليست لهم أي علاقة بكل أطراف الحرب الدائرة في البلاد منذ أيلول (سبتمبر) 2014، بعضهم للاشتباه فيه، وآخرون بسبب وشاية أو بلاغ لأحد المسلحين الحوثيين على خلفية خلاف شخصي أو رفض هؤلاء الأشخاص الرضوخ للممارسات التعسفية للمسلحين ومحاولات ابتزازهم مالياً. وهو ما حدث مع أعداد كبيرة من المعتقلين، أحدهم بائع متجول لأشرطة الكاسيت في الساحة المقابلة لبوابة جامعة صنعاء، حيث يؤكد شهود عيان إن أحد المسلحين الحوثيين المتواجدين في حي الجامعة أراد أخذ بعض الـ «سيديات» من دون دفع قيمتها للبائع الذي يعرض بضاعته على عربة متنقلة، ما تسبب في حدوث خلاف بينهما، ليأتي بعدها المسلح الحوثي مع عدد من المسلحين ويعتقلوا البائع بناء على بلاغ كيدي. البائع الذي يعيل أسرته من العائد المادي المتواضع الذي يحصل عليه من بيع أشرطة الكاسيت رمي به في السجن لنحو أربعة أشهر، وتقول مصادر أمنية تحدثت إلى «الحياة»، إن المسلحين الحوثيين رفضوا السماح لوالدته بزيارته، ولم يطلق من السجن إلا بعد مراجعة حثيثة لناشطين حقوقيين وفاعلي خير لجأت إليهم والدته. معتقلون أبرياء الصحافي الذي ينتمي إلى جماعة الحوثي حسن الجلال يسعى بشكل شخصي لتبني قضايا العديد من السجناء الأبرياء في سجون جماعته، غير أنه يصطدم بتعنت المشرفين، ما دفعه للكتابة عن مظلومية السجناء وكشف ممارسات الميليشيات على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك»، وفي سلسلة كتابات يخاطب الجلال قيادات الميليشيات ويقول: «اتقوا الله في عباده، انزلوا للسجون لتعرفوا حجم الظلم على الناس»، مشيراً إلى السجون التي «يشرف عليها أحمد الهادي» في محافظة الحديدة غرب اليمن. الجلال الذي يتهم من قبل الميليشيات بالدفاع عمن يطلقون عليهم صفة «الدواعش»، أوضح في كتاباته أنه عندما يتحدث عن المساجين فإنه «يتحدث عن مظلومية، ليست لها أي علاقة بأهل أو أصدقاء أو أقارب، مظلوميه سندفع ثمنها جميعاً إن سكتنا عنها، وستكون عاقبتها وخيمة على أنصار الله إن لم يتداركوا الأمر بجديه». وتابع الجلال قائلاً: «بالعقل والمنطق إذا كنتم تريدون منا عدم تبنى قضايا الناس وكشف مظلوميتهم فعليكم فتح قنوات تتبنى رفع الجور عنهم، أما إنكم تريدون منا ومن الناس أن نسكت عن مظلوميتهم فهذا ظلم كبير لا طاقة لنا ولهم على تحمله، ومن يعتقد أن من يتناول قضايا الناس مزايد وعميل وخائن ومندس ومنافق ويخدم العملاء، فهو كل ذلك وأكثر». وتعترف مصادر مقربة من الميليشيات بأن عمليات الاعتقال لا تقتصر على المناوئين لها، أو الذين يدخلون في مهاترات أو خلافات مع المسلحين، أو يرفضون الانصياع لها فحسب، بل أن «العديد من المشرفين الحوثيين يعتقلون المئات من اليمنيين بغرض ابتزاز أهاليهم مالياً». المصادر التي طلبت عدم كشف هويتها قالت لـ «الحياة» إن عشرات السجناء يتم «إطلاقهم مقابل مبالغ مالية تتراوح بين 500 ألف ومليوني ريال، وفي بعض الحالات أكثر من ذلك، وبالذات عندما يكون المعتقل من أسرة ميسورة مالياً»، غير أن المصادر ذاتها حملت من وصفتهم بـ «المتحوثين الجدد» - الذين التحقوا بصفوف الميليشيات في أعقاب سيطرتها على العاصمة صنعاء وتمددها إلى المحافظات الأخرى- مسؤولية ذلك. وأكدت المصادر أن هذه الظاهرة بدأت محدودة في العاصمة صنعاء، وأضحت الآن تمارس في غالبية المحافظات الواقعة تحت قبضة الميليشيات الحوثية، وفي حين «يسلم بعض الأهالي المبالغ المطلوبة منهم قبل إطلاق معتقليهم، يعقد بعض المشرفين اتفاقات مع البعض الآخر من الأسر تقضي بإطلاق أبنائها قبل دفع المال المتفق عليه». تضارب البيانات الأعداد المعلنة للمعتقلين في سجون الميليشيات تتباين من مصدر إلى آخر، فقد أعلن مندوب اليمن الدائم لدى الأمم المتحدة خالد اليماني أن «عدد المعتقلين في سجون جماعة الحوثيين والرئيس المخلوع علي صالح تجاوز 4800 مع نهاية العام الحالي». وقال في رسالة وجهها قبل نحو أسبوعين إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أن بين المعتقلين قيادات عسكرية وسياسية، إلى جانب 91 أكاديمياً وأستاذاً جامعياً و15 صحافياً و204 أطفال، ودعا المنظمة الأممية للاهتمام بهذه القضية. ناشطون حقوقيون وسياسيون وإعلاميون يمنيون داخل اليمن وخارجه أعلنوا أخيراً إطلاق حملة موسعة، لمطالبة المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية والدولية بالضغط على الميليشيات الانقلابية لإطلاق سراح المختطفين والمعتقلين والمخفيين قسراً، وأكدت الحملة أن التقرير الذي أعده «التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان» وثق اعتقال 9 آلاف و949 يمنياً منذ سيطرة الانقلابيين على العاصمة صنعاء في 21 أيلول (سبتمبر) 2014». وقالت الحملة إن تقارير حقوقية محلية ودولية كشفت أن «كثيراً من المعتقلين يتعرضون للتعذيب البشع كالجلد والضرب بآلات حادة والصعق الكهربائي، وتعريضهم للصقيع والكي بالنار، لإجبارهم على الاعتراف بتهم وجرائم لم يرتكبوها». ويعتقد ناشطون وحقوقيون أن الفجوة الكبيرة بين الأرقام المعلنة لعدد المعتقلين الحاليين في سجون الميليشيات، سببه اقتصار عمليات الرصد التي تجريها الحكومة الشرعية على النشطاء السياسيين المناوئين للميليشيات، والذين تقدم الأحزاب والمنظمات التي ينتمون إليها كشوفات بأسمائهم، في حين يعتقل آلاف غيرهم من دون أن تعلم بهم الحكومة أو تلتفت إليهم الأحزاب.