أجرى وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، مشاورات مكثفة، أمس، مع الرئيس الإيراني حسن روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف وأمين عام مجلس الأمن القومي علي شمخاني، بحث فيها آخر التطورات وإعلان وقف إطلاق النار والتحضير لاجتماع آستانة، إلا أن رمضان شريف، المتحدث باسم الحرس الثوري، رجح مع ذلك «مواصلة العمليات العسكرية من القوات المتحالفة مع الحرس الثوري في أي منطقة من الأراضي السورية». كذلك رفض علي شمخاني، الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي ومستشار المرشد علي خامنئي، أي بحث في سحب الميليشيا الإيرانية التابعة لطهران من سوريا. روحاني أعلن بعد استقبال وليد المعلم ترحيب بلاده بوقف إطلاق النار في سوريا، لكنه في الوقت نفسه أطلق تحذيرات من «استغلال الهدنة في تعزيز قدرات المعارضة السورية». وكان روحاني قبل لقاء المعلم قد أجرى مشاورات عبر الهاتف مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين حول وفق إطلاق النار واجتماع آستانة وفق إعلان الكرملين. وفي هذا الصدد، قال الرئيس الإيراني لوزير النظام السوري إن بلاده تأمل في أن تؤدي مفاوضات آستانة المقبلة للتوصل إلى مخرج يؤدي إلى سلام دائم ينهي الأزمة السورية. في السياق نفسه، زعم روحاني أن «العملية العسكرية في حلب وجهت رسالة إلى أطراف المعارضة للنظام بأن المسار الحالي لن يؤدي إلى نتيجة». مضيفا أن العملية العسكرية في حلب منحت قوات النظام وحلفائه «موقع أفضل لمواصلة العمل الميداني ضد المعارضة السياسية لإعادة الهدوء والأمن في سوريا»، ومعربا عن تفاؤله بأن «تسفر الإجراءات المقبلة ومفاوضات السلام إلى تثبيت سيطرة النظام الحاكم على جميع المناطق السورية». وشدد على «ثبات» مواقف بلاده من مستقبل النظام في سوريا. وكانت طهران قد سبقت المفاوضات الدولية السابقة لبحث مخرج سياسي للأزمة السورية بوضع «خط أحمر» على مستقبل بشار الأسد. ولكن، راهنًا، تشعر طهران بقلق شديد من تراجع دورها على الصعيد السياسي بعد تسارع الخطوات الروسية - التركية المشتركة للوصول إلى مخرج في الأزمة السورية. وهو موقف مشابه لمخاوف إيرانية سابقة من تحرك أميركي - روسي لحل الأزمة السورية، ما يظهر أن طهران لن تقبل بأي تسوية سياسية لا تلبي أهدافها ولا تتناسب مع الثمن الذي دفعته بالمال والمقاتلين منذ بداية الأزمة السورية. من جانب آخر، قال بهرام قاسمي، الناطق باسم الخارجية الإيرانية، إن ظريف أجرى مفاوضات مفصلة مع المعلم على ثلاث مراحل، شملت محاورها وقف إطلاق النار الدائم والمساعدات الإنسانية والآلية التي يتبعها الطرفان في المفاوضات المقبلة، فضلا عن استمرار العملية العسكرية. وقبل ذلك، التقى، أمس، المعلم، يرافقه علي مملوك، مستشار الأسد للشؤون القومية، أمين عام مجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني، وأفادت وكالة «مهر» الحكومية للأنباء، نقلا عن المسؤول الإيراني، بتعليقه على اتفاق وقف إطلاق النار، أشار فيه إلى ضرورة انتهاز فرصة وقف إطلاق النار من قبل المجموعات المسلحة المعارضة «التي لا تدعم الإرهاب» للعودة إلى طاولة المفاوضات مع النظام. للعلم، يعتبر شمخاني المنسق الأعلى في الشؤون السياسية والدفاعية والأمنية بين روسيا وإيران ونظام الأسد، بعد اجتماع ثلاثي بين وزراء دفاع البلدان الثلاثة في طهران يونيو (حزيران) الماضي. ولقد بحث الجانبان آخر التطورات ومسار استمرار العملية العسكرية «ضد الإرهاب» في سوريا بعد إعلان وقف إطلاق النار. ونوه شمخاني إلى أن «محاربة الإرهاب بلا هوادة والتركيز على الحوار السوري - السوري من أجل الوصول إلى اتفاق وطني من أجل إقامة انتخابات شاملة الحل الوحيد لإعادة الهدوء إلى سوريا». إلا أنه في الوقت نفسه، قال إن «أي حل يؤدي إلى إضعاف النظام في سوريا ويخالف مصالح شعوب المنطقة محكوم بالهزيمة» وفق ما نقلت عنه وكالة «مهر» الحكومية. هذا، وذكرت وسائل الإعلام الإيرانية أن كلاً من مملوك والمعلم قدّما تقارير منفصلة إلى شمخاني حول آخر التطورات ومسار المفاوضات والعملية السياسية في الأزمة السورية. واعتبر شمخاني موافقة المعارضة السورية على العودة إلى طاولة المفاوضات «من نتاج العملية العسكرية التي شنتها قوات النظام السوري وحلفائه، خصوصا في حلب». وزعم أن «العملية العسكرية هناك أدت إلى تغيير معادلات إقليمية في ميزان القوى». وفي إشارة إلى رفض إيران سحب قواتها العسكرية وميليشيات ما يسمى «حزب الله» اللبناني والميليشيات المتعددة الجنسيات التابعة لفيلق «القدس»، طالب شمخاني بضرورة الحفاظ على جاهزية قوات الأسد وحلفائه في سوريا، وفرض السيطرة، ومراقبة المعارضة السورية المسلحة أفضل ضمان لحفظ الاتفاق. وتعد هذه المرة الأولى التي يقر بها مسؤول إيراني رفيع صراحة بوجود معارضة مسلحة ضد النظام بشار الأسد ولا ترفض طهران التفريق بين المعارضة السورية و«داعش»، كما تسوق تدخلها العسكري بسوريا في الشارع الإيراني على أنه لمحاربة تنظيم داعش. بعد يومين من إعلان وقف إطلاق النار في سوريا، أوضح متحدث باسم الحرس الثوري الإيراني موقف تلك القوات من الاتفاق السياسي بين أنقرة وموسكو، مشيرا إلى أن التحالف الذي يقوده الحرس الثوري سيحافظ على وجوده على الأراضي السورية. ورجح رمضان شريف أن يواصل النظام وحلفاؤه من القوات الإيرانية وما يسمى «حزب الله» اللبناني والميليشيات الأخرى، الاستمرار في مسار «المقاومة» بعد مضي خمس سنوات من القتال «لحفظ وحدة الأراضي»، حسب زعمه. ولم يستبعد شريف قيام القوات الإيرانية وحليفاتها الموجودة في سوريا بشن عمليات عسكرية، مؤكدا أنه «أمر وارد في كل مناطق سوريا». كذلك رفض القيادي الإيراني الكشف عن تغيير الاستراتيجية الميدانية في سوريا بعد إعلان وقف إطلاق النار، زاعمًا أن جميع الاستراتيجيات «تنتهي بمواجهة إسرائيل». إذ ادعى، في سياق كلامه عن البرامج المستقبلية لـ«فيلق القدس» الذراع الخارجية للحرس الثوري، الذي يقاتل إلى جانب قوات الأسد منذ خمس سنوات، أن «الهدف الأساسي يظل تحرير القدس»، وهو الشعار الذي تبرر إيران به تدخلها في الدول العربية. وفي رد على دعوة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، الذي طالب طهران، أول من أمس، بممارسة نفوذها بشكل إيجابي، وبخاصة الميليشيات المتحالفة معها، مثل ما يسمى «حزب الله» والميليشيات الشيعية الأخرى والنظام السوري، قال شريف إن على تركيا «الكف عن سياسات تقسيم سوريا إن أرادت أن تقوم بدور هناك». تصريحات المتحدث باسم الحرس الثوري، التي نشرتها وكالة «تسنيم»، في وقت متأخر، أول من أمس، أرسلت إشارات لتأكيد ما ورد في تقارير دولية عن سخط إيراني على وقف إطلاق النار التركي - الروسي الذي همّش دور طهران إلى حد بعيد، لكن في الوقت نفسه وصف شريف تلك التقارير بـ«توقعات خارج السياق ومشروعات غير واقعية». وكرر رفض الحرس الثوري أي دور عربي وخليجي في مسار السلام لوضع نهاية للأزمة السورية، متهما الدول العربية بتقديم الدعم اللوجيستي والمادي والإعلامي للمعارضة السورية.