ثماني سنوات قضاها باراك أوباما في البيت الأبيض. جاء مع وعد بإنصاف الفلسطينيين وحل قضيتهم. كان أكثر الرؤساء الأميركيين اطلاعاً على هذه المأساة الطويلة وعلى دور إسرائيل في تشريد هذا الشعب وحرمانه من وطنه. اعتقد كثيرون أن أوباما يعرف حجم المعاناة الفلسطينية الشبيهة إلى حد بعيد بما عاناه السود لتحصيل حقوقهم المدنية والسياسية. قبل انتخابه كان أوباما صديقاً وضيفاً شبه دائم في منزل الدكتور رشيد الخالدي بنيويورك، والتقى وشارك في مناظرات عدة مع إدوارد سعيد. وكان أول اتصال أجراه بعد توليه الرئاسة مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس. أحد مساعدي أبو مازن قال بفخر يومذاك: «لم نكن ننتظر هذا الاتصال من الرئيس أوباما، لكننا نعرف مدى اهتمامه بالقضية الفلسطينية». وفي اليوم الثاني لتوليه المنصب عين السيناتور جورج ميتشل مبعوثاً شخصياً له إلى الشرق الأوسط. ميتشل الذي يعرف المنطقة جيداً كان صاحب التقرير الشهير عام 2001 الذي دعا فيه إلى تجميد الاستيطان في القدس والضفة الغربية، وكان كذلك وراء التسوية التاريخية بين الكاثوليك والبروتستانت في إرلندا الشمالية. لذلك، كان اختياره مؤشراً إلى جدية الرئيس الأميركي الجديد في البحث عن حل. وبعد أربعة أشهر، خلال زيارة قام بها أبو مازن إلى البيت الأبيض، طالبت إدارة أوباما إسرائيل بتجميد كامل للمستوطنات في كل الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية. مضت السنوات وأخذ أوباما يتراجع عن وعوده. وكانت خيبة الفلسطينيين في حجم خيبة المعارضة السورية. رئيس يعد ولا يفي. يطلق الخطب ويعجز عن اتخاذ أي قرار. أول التراجعات وأكثرها صعوبة على الجانب الفلسطيني كان عندما ضغط أوباما على الفلسطينيين للعودة إلى طاولة المفاوضات مع نتانياهو من دون أن يشترط على حكومته التي كانت وصلت إلى الحكم آنذاك (آذار - مارس 2009) وقف المستوطنات. وعندما طلب أوباما من وزير خارجيته جون كيري رعاية مفاوضات جديدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين عام 2013، استخدم نتانياهو تلك المفاوضات كغطاء لتوسيع المستوطنات. لو كان أوباما صادقاً وجاداً في موقفه من المستوطنات، لكان تصرف مع إسرائيل بطريقة تلزمها بوقف هذا الاعتداء المتمادي على الأرض الفلسطينية. أوباما، على عكس ذلك، أمر بالتصويت بالفيتو في مجلس الأمن (في شباط - فبراير 2011) ضد قرار يعتبر المستوطنات غير شرعية ويدعو حكومة إسرائيل إلى وقفها. أيد 14 عضواً في المجلس القرار وحال الفيتو الأميركي دون صدوره. كان نص ذلك القرار مشابهاً في شكل شبه كامل لنص القرار الأخير الرقم 2334. الفرق الوحيد أن القرار الأخير سيبقى حبراً على ورق، لأن دونالد ترامب سيعطل كل فرص الضغط على إسرائيل لتنفيذه، فيما كان في وسع أوباما، لو كان جاداً، ألا يعطل صدور القرار الآخر قبل خمس سنوات، وأن يربط أي مساعدات لإسرائيل بوقف المستوطنات، طالما أنه يعرف، هو ووزير خارجيته، أنها تحول دون قيام حل الدولتين. ليس هذا فقط، بل إن أوباما، كما ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز»، منع جون كيري قبل سنتين من عرض موقفه الأخير ضد المستوطنات، بحجة أن خطاباً كهذا يغضب نتانياهو! في ظل رئاسة أوباما، زاد عدد المستوطنين في الضفة الغربية مئة ألف ليصل الآن إلى 400 ألف مستوطن وفي القدس الشرقية يزيد عددهم عن 200 ألف. كما بدأ العمل في الفترة ذاتها على بناء أكثر من 12700 وحدة استيطانية في الضفة الغربية. وفي ظل رئاسة أوباما، حصلت أسرائيل على أكبر صفقة مساعدات عسكرية بقيمة 3,8 بليون دولار، على مدى عشر سنوات، هي أكبر مساعدة عسكرية تقدمها الولايات المتحدة لأي دولة على الإطلاق. ما سمعناه أخيراً على لسان جون كيري نعرفه جميعاً ويعرفه أصحاب الضمير في العالم كله. المستوطنات تفكك الأرض الفلسطينية وتحول دون قيام دولة فلسطينية مترابطة. على إسرائيل أن تختار بين أن تكون دولة ديموقراطية أو دولة يهودية، لكنها لا تستطيع أن تكون الأمرين معاً. ألم يسمع أوباما وكيري أن نتانياهو اتخذ قراره في شأن الهوية التي يريدها لدولة إسرائيل؟ لو كان أوباما يريد حلاً عادلاً لقضية فلسطين لكان عليه أن يتخذ قرارات ترغم إسرائيل على احترام الشرعية الدولية عندما كان رئيساً، وليس قبل ثلاثة أسابيع من انتهاء ولايته. لكن أوباما تأخر في فعل ذلك خوفاً من خسارة ولاية ثانية. فهذا الموقف «البطولي» الذي يتخذه اليوم لن يكلفه شيئاً ولن يخدم الفلسطينيين في شيء.