دبي: عبير مشخص تبدأ اليوم فعاليات الدورة الثالثة من معرض «أيام التصميم - دبي»، هو معرض سنوي مختص بالأثاث الراقي المحدود الإصدار، ويشارك فيه 20 دولة و40 صالة عرض، ويتضمن البرنامج أكثر من 700 تصميم لـ145 مصمما. النظرة الأولى على صالات العرض تحمل الكثير معها، فهناك قطع تستدعي الزائر للاقتراب لمعاينتها عن قرب ولتفحص تصميمها والمواد التي صنع منها، هناك أعمال أخرى تكتسب أبعادا أوسع وجماليات أوضح إذا ما نظرنا إليها عن بعد. ولكن كملاحظة مبدئية، لجأ عدد كبير من العارضين إلى الجمع بين الحسنيين؛ الأسلوب الكلاسيكي إلى جانب المعاصر، أما كيفية الجمع بينهما فاختلفت من مصمم لآخر. فمنهم من لجأ للجمع الفعلي بينهما مثل غاليري «جودي ستراتان» من هولندا الذي يقدم قطعا لاستودو رولف بروغنيك يعتمد فيها المصمم على استخدام المفروشات العتيقة وتقسيمها إلى قطع أصغر، فهي من الأمام قطعة كلاسيكية، ومن الخلف أو من أعلى قطعة معاصرة. وكمثال آخر على الدمج بين الأساليب الفنية هو العرض المبهر لصالتي «كاربنترز وركشوب غاليري» و«ستينيتز» الفرنسي اللذان قدما تصورا لما يمكن أن تكون عليه شقة أحد المقتنين الفنيين بكل تفاصيلها. تندمج في القاعتين حوائط خشبية مذهبة قديمة، إلى جانب قطع معاصرة تبدو مختلفة بشكل صارخ، لكنها أيضا مكملة لها بشكل موحٍ. وتشير تلك المعادلة إلى الاحتمالات اللانهائية للذائقة الإنسانية. هناك مصممون اختاروا تطعيم القطعة الواحدة بأكثر من أسلوب، أو باستخدام عناصر منفصلة كل منها يمثل أسلوبا مختلفا عن جاره ولكن في نهاية الآمر يبقى القرار بيد الناظر أو المشتري، ليختار القطعة التي تخاطبه هو شخصيا. اللافت هو التنوع في الثقافات البصرية المنعكسة في القطع المعروضة، وهو تنوع حرص مدير «أيام التصميم دبي» سيريل زاميت على التأكيد عليه في كل مناسبة، وأشار إليه أيضا في الكلمة الافتتاحية للمعرض أمس حيث قال: «لقد سافرنا حول العالم لنحضر لكم ما ترونه هنا». وخلال كلمته أشار زاميت أيضا إلى أن أحد الأهداف الرئيسة لـ«أيام التصميم» هو اكتشاف المواهب المحلية في هذا المجال، وفتح الباب أمامها للتواصل مع كبار المختصين في دول العالم. وضرب مثالا بقطعة صُنعت العام الماضي من خلال إحدى ورش العمل التي أقيمت، واستخدمت فيها قصاصات عشرات المجلات الصادرة في الإمارات، حيث وضعت في «مفرمة الورق» واستخدم الناتج لصنع قطعة أثاث، وقال: «هي الآن من معروضات أحد المتاحف في الولايات المتحدة الأميركية». والى جانب استضافة الصالات المشاركة، يتجه «أيام التصميم» إلى إقامة نشاطات مصاحبة تحرص على مشاركة الجمهور، فهناك عدد من الورش الفنية التي يمكن للجمهور الجلوس فيها مع عدد من المصممين المشهورين عالميا، من أمثال إنديا مهدوي وريك أوينز وآندي مارتن وآخرين. كما يتضمن البرنامج بعض الجلسات المفتوحة للجمهور يوميا، سواء كانوا من خبراء التصميم أو من المتذوقين. وتقوم دار مجوهرات «فان كليف آند آربلز» الراعية لـ«أيام التصميم دبي» أيضا بإقامة ورش عمل توضح للجمهور كيفية العمل في بعض ورش الدار الشهيرة، أو تلقي «الضوء على الجانب الخفي من حياة قطعة المجوهرات» على حد تعبير المدير الإقليمي للدار «ألبان بلوار». الورشة أطلق عليها عنوان «الأيدي الذهبية»، وهو تحية لأيدي الحرفيين المهرة الذين عملوا بها. ومن العروض التي سيشاهدها الجمهور أيضا هناك عرض «المحرر المهووس» الذراع الآلية التي صممت باستخدام تقنية الأبعاد الثلاثة، حيث تقوم الذراع الآلية الفنية برسم تصاميم على جدار المدخل أمام الزوار. كما يقوم الفنان رولف بروغنيك بعرض مهاراته الفنية ضمن ورشة عمل باستخدام أطباق خزفية. وعلى جانب دعم المهارات والمواهب المحلية يعرض جناح «إف إن ديزاين» أعمال عشرة مصممين إماراتيين، في إطار المبادرة التي أطلق علها اسم «10 - 100 - 1000» وهي قائمة على تكليف المصممين العشرة بتنفيذ مائة مقعد خشبي، وسيباع كل واحد منها مقابل ألف دولار أميركي. أما مركز الفن المعاصر «تشكيل»، فطلب من ثلاثة مصممين من الإمارات هم لطيفة سعيد وسالم المنصوري وزينب الهاشمي ابتكار مجموعة متنوعة من التصاميم تعرض خلال «أيام التصميم». وفي إطار رعايتها للمعرض، أبرمت «دار فان كليف آند آربلز» شراكة مع مركز «تشكيل» لتقديم «جائزة الفنان الناشئ في الشرق الأوسط» حيث طلب من الفنانين في أنحاء المنطقة تقديم أعمالهم تحت عنوان «نقطة تحول»، على أن يعرض العمل الفائز في جناح فإن «كليف آند آربلز». وأمس، أعلن اسم الفائز بالجائزة، وهو فيكرام ديفيكا الذي قدم عملا تناول من خلاله فكرة التغير والتحول في المجتمع المعاصر. يشير فيكرام خلال حديثه مع «الشرق الأوسط» إلى أنه استوحى فكرة عمله من أرصفة شوارع أحد الأحياء القديمة في دبي. يقول: «كنت دائما ما أتأمل عملية تركيب الأرصفة، والحرص على ترتيب قوالب الطوب بشكل يظهر خطوطا صفراء متوازية عليها. ولكن ذلك الشكل يتوارى تماما حين تنزع تلك الأرصفة، أراها متراكمة بشكل فوضوي لا تناغم فيه. وهذا ما قمت باستغلاله لتنفيذ عملي هنا. فقد طلبت الإذن من الجهات المسؤولة برصف ثم فك رصيف بأحد الشوارع، ثم قمت بتركيب الطوب المنزوع بشكله الفوضوي، تركت للعمال كامل الحرية في وضع القوالب كيفما اتفق حتى نتج هذا الشكل الذي ترينه أمامك»، ويشير إلى صورة فوتوغرافية لأرضية بهو أحد البيوت القديمة: «قمت بتركيب الطوب في أرضية هذا البيت الأثري في منطقة الفهيدي التاريخية». تبدو قوالب الطوب أمامنا بلا نظام أو ترتيب، متناقضة، فوضوية، لكن الغريب في الأمر أنها لا تبدو متنافرة. يبدو فيها جمال من نوع خاص يمكن تفسيره بأنه يرمز لمجتمع دبي الذي تختلط فيه الجنسيات والثقافات، تفد إليها من شتى بقاع الأرض «تنزع من جذورها الأصلية ويعاد غرسها في مكان جديد»، لكنها تكون لوحة فسيفساء من نوع خاص. يقول ديفيكا تعليقا على التفسير: «هو تفسير جيد، وهناك تفسيرات كثيرة أخرى ترد إلى الذهن عند تأمل العمل».