على ضوء المجاز تبقى المواجع مدةً أطول على قيد الحياة، تتفيأ ظلال أنفاسها، لتقول ما لم تقله بعد، تعانق الحرف فيتمثل لها شبحًا لا وطنًا. قصيدة «المجازي» لشتيوي الغيثي المنشورة في صحيفة مكة تأخذك معها إلى دهشة البدء والمنتهى. مقاربة الانطفاء هي الصورة الفنية التي بنيت عليها القصيدة، لا تحتاج في تأملها كبيرَ عناء، تعال معي أيها القارئ الكريم إلى المشهد الأول من مشاهد الانطفاء والذي يبتدئ من آخر أمداء أحلامه: الانكفاء على الذات، حيث يمضي مستلهمًا ذاكرته غارقًا في غياهب خيباته، يستحضر تفاصيل حماقته التي شكلت أحلامه؛ ولهذا فهو لم يستطع إحصاءها؛ إن لم يستفد منها فقد كانت متعةً خارج نص الحياة: «من آخر الحلم آتٍ، والسنين مدى يطوي الحماقاتِ لا يحصي لها عددا يحصي المواجع يحصي عمر خيبته حتى استحال بهذي البيد منفردا» ولأن الشعر هو سجل أحلامه؛ فقد حورب في هذا الوطن الذي يعيش فيه بدءًا من سرقت حروفه، مرورًا بإنكاره من قبل موروثه الشعري: فما عاد يمتلك كبرياء المتنبي، ولا هيبة امرئ القيس ولا أناشيد السياب: «من أول العمر كان الحرف لعبته يبني ويهدم أبراج البيان سدى يبلل الوتر المبحوح أغنيةً في دمعتيه لصحراء المجاز ندى ... الخيل والليل والبيداء تُنكره والرمل يحفر في أشعاره قددا يشد في خيمة المعنى له وتدًا والريح تقلع من شريانه الوتدا ... من امرئ القيس يبني فضل جبته عليه واشتعل السياب فيه حدا» وإذا فقد الشخص روحه التي يسكن إليها-حلمه يصبح التفكير في ترك أثرٍ متفرد أمرًا مستحيلًا: «يخط شيئًا على ماء الخلود فما أبقى له الماء شيئًا خالدًا أبدًا وراح يحفر في الصوان صورته لكنما حجر الصوان قد صمدا بعض الحكايات كان الدهر يكتبها وبعضها كسدت في بعض ما كسدا» يستيقظ الشعر على صوت الغروب معلنًا موت الشاعر وولادة القصيدة، يموت الشاعر لتحيا الحروف ويبقى سؤال الموعد الأكبر: هل اقترب موعد ولادة ديوان فاخر؟ «حتى إذا ما استفاق الشعر من خدرٍ كان الغروب على وجه النهار بدا فقال: يا أيها الباقون في حلمٍ طال المقام وكان الموعد الأمدا» - أمل محمد طوهري