تجمع خصومة فريدة ناديي سلتيك ورينجرز الاسكوتلنديين، تمزج بين الشغف المرافق لمباريات كرة القدم، والعداوة العائدة إلى أكثر من قرن، والصراع المذهبي. لا يصنف ناديا مدينة غلاسجو في مصاف الكبار أوروبيا، وسجلّهما القاري متواضع، إذ فاز سلتيك بلقب كأس الأندية الأوروبية البطلة عام 1967، ورينجرز بلقب كأس الكؤوس الأوروبية عام 1972. إلا أن مواجهات الناديين دائما ما تكون مميزة، ما يجعلها محط اهتمام الكثيرين حتى خارج اسكوتلندا. ولا تقتصر المنافسة على الكرة، بل تتعداها للسياسة والثقافة والمذهبية، ما يمنح الديربي أهمية مضاعفة. ولعل أدق وصف لشعور المشاركة في دربي «أولد فيرم»، يعود للراحل ساندي جاردين، لاعب رينجرز بين 1965 و1982. وقال: «لا يمكن العثور على مثيل للصخب والشغف اللذين يرافقان المباراة، كنت محظوظا بما يكفي لمشاهدة مباريات ديربي عالمية، وليست هناك أي مواجهات مماثلة. عندما تدخل النفق المؤدي إلى الملعب، يصدمك مستوى الصخب الذي يتجاوز بفارق كبير المباريات العادية أو حتى المباريات النهائية لمسابقات الكؤوس». وسيكون الاسكوتلنديون على موعد جديد اليوم مع الديربي رقم 404 بين فريقين أحرزا فيما بينهما 101 لقب في الدوري من أصل 120. ويحل سلتيك بطل المواسم الخمس الماضية، ضيفا على رينجرز في معقله «ايبروكس ستاديوم». ويدخل رينجرز المباراة متخلفا، بعد 20 مرحلة، بفارق 16 نقطة عن غريمه المرشح للقبه السادس تواليا. وسيحتشد أكثر من 50 ألف متفرج في مدرجات الملعب التواق للديربي الغائب منذ 2012 بسبب هبوط رينجرز للدرجات الدنيا إثر إفلاسه. وتأمل جماهير رينجرز في ألا يلقى ناديها مصيرًا مشابهًا لمباراة المرحلة الخامسة من هذا الموسم، حينما مني بهزيمة قاسية (1 - 5) في ضيافة خصمه على ملعب «سلتيك بارك». وتعود المباراة الأولى بين الفريقين إلى 28 مايو (أيار) 1888، وكانت ودية أقيمت بدعوة من سلتيك. ويقول المؤرخ والمتخصص بشؤون سلتيك ديفيد بوتر لوكالة الصحافة الفرنسية: «عندما انطلق الدوري، كانت العلاقة جيدة جدا بين سلتيك ورينجرز. لم تتدهور الأمور إلا في العشرينات (من القرن الماضي) عندما دخل العامل الديني على الخط». تأسس سلتيك في نوفمبر (تشرين الثاني) 1887 على يد الراهب الآيرلندي الكاثوليكي اندرو كيرينز، كمبادرة خيرية تخفف حدة الفقر في أوساط المهاجرين الآيرلنديين الذين قدموا إلى غلاسجو في زمن «المجاعة الكبرى» في العقد الخامس من القرن التاسع عشر. وكان يؤمل أن يكون النادي رمزا يفخر به هؤلاء المهاجرون الذين يعانون الاضطهاد والظروف القاسية. أما رينجرز، فأسسته الغالبية البروتستانتية العاملة في اسكوتلندا. ويوضح المؤرخ المتخصص بشؤون النادي روبرت ماكلروي: «كان ثمة شعور داخل المجتمع الاسكوتلندي بالحاجة لتأسيس ناد تكون قاعدته من المجتمع الاسكوتلندي التقليدي بهدف منافسة سلتيك». وكان لافتتاح حوض لبناء السفن في غوفان على مقربة من ملعب «ايبروكس» الخاص برينجرز، دوره في تدفق العمال من بلفاست (عاصمة آيرلندا الشمالية) في العقد الثاني من القرن العشرين. واعتمدت الشركة المشغلة للحوض سياسة عدم توظيف أي عامل كاثوليكي، واقتصر عمالها على البروتستانت. ونظرا لكون الملعب قريبا من مقر عملهم، أقبل هؤلاء على تشجيع رينجرز. ويقول محرر موقع «سلتيك كويك نيوز» الإخباري بول برينان، إن الانتماء المذهبي للمشجعين أدى إلى «تغيير طابع رينجرز»، وبدلا من أن يكون النادي ذا هوية اسكوتلندية وطنية، بات ذا صبغة مذهبية بروتستانتية، تناقض سلتيك الأقرب إلى الكاثوليك. ويوضح برينان أن رينجرز «توقف عن ضم لاعبين كاثوليك في تلك المرحلة، مما جعل الخصومة تصبح مريرة جدا وعلى أساس عرقي». ولا يقتصر التنافر بين هوية الفريقين، على انتمائهما المذهبي، بل تعداه كذلك إلى الشق السياسي حيث يقفان على طرفي نقيض؛ فنادي سلتيك يصنف في خانة الاشتراكية والنزعة الجمهورية الآيرلندية، بينما يعد رينجرز أقرب للمحافظين والنزعة الوحدوية الآيرلندية (في إشارة لمؤيدي صيغة اتحاد بين آيرلندا وبريطانيا). ولم تنتهِ حقبه مقاطعة اللاعبين الكاثوليك في رينجز إلا عام 1989، مع ضم مو جونستون، اللاعب السابق في صفوف سلتيك. وتزامنت الخطوة مع تراجع حدة التوتر المذهبي في المجتمع الاسكوتلندي. إلا أن ذلك لم يؤدِ إلى رأب الصدع بين الفريقين، إذ نشأت انقسامات جديدة مدفوعة من ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وتباين وجهات النظر حول الاستفتاء على استقلال اسكوتلندا عن المملكة المتحدة (أُقيم في 2014 وفاز فيه رافضو الاستقلال)، وإفلاس رينجرز عام 2012 وابتعاده عن دوري الأضواء أربعة مواسم. ويرى أحد مشجعي رينجزر كريغ هيوستن: «لو لم يكن ثمة سياسة، ولم يكن ثمة ديانة، أعتقد أن المباراة ستبقى على حالها، لكنا وجدنا أمرا آخر ننقسم حوله». ولم تقتصر حدة الخصومة على أرض الملعب، بل انعكست خارجه حوادث دامية بين المشجعين، وصلت أحيانًا إلى حد القتل. واضطرت الحكومة الاسكوتلندية للتدخل مرارا على خلفية مباريات الديربي، وأقرت في 2012 قانونا يجرم التصرفات المسيئة في كرة القدم، بعد عام من ديربي شهد اضطرابات واسعة. ويهدف القانون للحد من العصبية المذهبية في الملاعب، إلا أن مشجعي الفريقين اتحدوا - ولو استثنائيًا - على رفضه. ورغم العلاقة المتوترة، يتكامل الفريقان في جوانب عدة، أبرزها المالي، إذ يستحوذان على معظم القدرات المالية للكرة المحلية. كما أن منافستهما، تدفع كل منها لتطوير أدائه للتفوق على الآخر. ويقول المؤرخ بوتر: «عندما هبط رينجرز (إلى الدرجات الأدنى)، أعتقد صراحة أن سلتيك اشتاق إليه».