إحساس خفي، وإدراك موجع، ونقمة مقيتة، غمرت بعض محبي الشاعر اللبناني"أنسي الحاج"، رغم اعترافهم بأن المبدع شخصية عامة، تصبح حياته وسيرته ملكا للآخرين، ويبدو أن"غادة السمان" استلذت واستمرأت لعبة العاشق والمعشوقة، حين احتفظت برسائل عشق للحاج، بعثها لها قبل "ثلاثة وخمسين" عاما، لتصدرها ضمن سلسلة أعمالها الأدبية، ولكنها لا ترقى لمستوى رسائل الروائي الفلسطيني الراحل "غسان كنفاني" للسمان، فطابعها كما يقول صديقه الشاعر اللبناني "شوقي بزيع" لصحيفة"عكاظ" إنشائي، وهذا ما لم نعرفه عن "أنسي"، وأعتقد أنه عندما كتبها كان مهموما في تقديم مشاعره للكاتبة، ولم يكن مهموما في تقديم نموذج أدبي، أما المأخذ الفني الثاني على هذا العمل، فهو غياب رسائل الكاتبة، فلو كانت الرسائل متبادلة بين هذين الشخصين لكان الأمر أكثر متعة، وكان العمل سيقدم مقاربة للعشق عبر اللغة التي هي أعلى درجات التعبير" ولكن فات على "بزيع" أن "غادة السمان" تعترف في مقدمة الكتاب بأنها لم تكتب لأنسي أي رسالة، وهذا سر عويله الصارخ، ومراثيه الباكية، وأجراسه النائحة، والاستجداء العاطفي، يقول في إحدى رسائله: "لو تعلمين إلى أي درجة أنت مسؤولة عن مصيري الآن، لارتجفت من الرعب، لقد اخترتك وأنت مسؤولة عني شئت أم أبيت، في النهاية لن تعرفي أجمل من حبي، قد لا أكون واثقا من شيء ثقتي بهذا الشيء، وأنت هل أظل أتحدث إليك دون حوار، لينته الحب من الأرض، سأبقى وحدي والموت والأشباح، وسأحب النهار أيضا، وسأحب انقراض نفسي العاشقة في هذا العالم الحقير، وسأحبك ولن أقول شيئا آخر". هناك من اعتبر نشر هذه الرسائل انتهاكا لحرمة الخصوصية والحميمية، التي تطبع العلاقات الخاصة والسرية، مما دفع الشاعرة "رنا زيد" لنعت السمان بـ"وصمة العار، إنها شخصية مخبولة، لا تمتلك أي ذوق أو حس إنساني، نموذج شخصاني مكرور للمرأة العربية الغبية، مشاعر"أنسي الحاج" الأحادية نمت في شكل هائل من الأسى، وبفردية قاتلة، لأنها لم تعطه ذرة حب، واستطاعت ببساطة الآن أن تنتظر موته لتكتب عن ترجيه وتنشر ضعفه، إنها تدعي العفة والقداسة، إنها تقوم بابتزاز مشاعرنا لتشعر أنها مرغوبة سحقا لها". إن نشر مثل هذه الرسائل تطرح تساؤلات مشروعة حول الجانب الأخلاقي، وهامش وسقف المكاشفة وحدودها، والانفتاح على الجائز والمحظور، والمصداقية والشك والريبة، وإسقاط الحائط السيري والمتواري في حياة الآخرين، دون الاعتبار لأي قيد أخلاقي أو احتشام نبيل.