إن الماء أصل الحياة ألم يقل ربنا عز وجل: (وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون)، فلا حياة لبشر بلا ماء، وكل دول العالم اليوم تبني دراسات مستقبلها على حفظ المياه والتخطيط لمشروعاتها، وقلة الماء في أي بلد في العالم يعرضه للخطر، وما يتحدث عنه الناس اليوم من خطورة قلة الماء في أي بلد حتى أنهم تصوروا أن حروب العالم المستقبلة ستكون بسبب ندرة المياه، وقد أراد الله لنا في هذا الوطن أن تكون أرضنا نادرة المياه، وكان الأصل أن نتصرف تجاه هذا الأمر بحكمة منذ زمن طويل، وهو للأسف لم يحدث، ونخشى أن نكون مهددين بالعطش إن لم نتدارك الأمر سريعًا، وأول واجب علينا أن نعرف أن أي أمر لا يبنى على علم وتخطيط فمصيره ولاشك الفشل، وقد تعرض موضوع المياه في وطننا إلى عناية إعلامية لها زمن طويل، تتردد بين أمرين لا ثالث لهما: الأول: رأي متفائل جدًا يعلن عن مخزون للمياه جوفي ويصفه بالمخزون العظيم الذي تحت الأرض، وأنه لا خطر علينا أن نعطش أبدًا، على ألسنة علماء ووزراء، بل ومتطفلين على الموضوع، ما كان لهم أن يتحدثوا عنه لو أن للإعلام ضوابط تمنع أن يتحدث من خلاله من لا علم له ولا خبرة في أمر خطير كهذا، وأن نجد على الطرف الآخر من يهددنا لا بالعطش فقط، بل وبالموت المحقق، وأن تصبح كل أرض الوطن متصحرة أكثر مما هي في أجزاء منها صحراء قاحلة، وقد استمعنا الأسبوع الماضي إلى حلقة من لقاء الجمعة، الذي يقدمه الأخ الكريم الأستاذ عبدالله المديفر عن مستقبل الماء في بلادنا، واستضاف متخصصًا في المياه هو الدكتور محمد الغامدي وقد سمعت عن الرجل من قبل ولم أعرفه معرفة شخصية، وقدم إلينا كأستاذ متخصص في المياه، يتحدث عنها عبر ثلاثين سنة، ورسم لنا صورة قاتمة لوضعنا المائي إن صدقناها أصابنا الرعب، وعرج على موضوع الهدر الذي اعترف به الجميع بسبب تلك الخطة التي لم يخطط لها، وهي زراعة الحبوب وإنتاجها دون حدود، والتي للأسف لم يستفد منها اقتصاديًا، والتي تراجعت عنها الوزارة ثم زراعة الذرة والأعلاف والتي اليوم في سبيلنا التقليل منها أو التراجع عنها كلية، والحفر للآبار بأعداد مهولة حتى رأينا في صحارينا مزارع كبرى بها بحيرات على مد البصر، وكل هذا أدى إلى استنزاف للمياه مستمر حتى اليوم، وكرر الأستاذ الدكتور على مسامعنا الرباعي المرعب بالنسبة للمياه التي تتعرض لاستنزاف وتلوث وإهدار وسوء إدارة، ومن استمع مثلي لكل الحلقة حتى نهايتها أصابه بعدها الإحباط أيامًا، والغريب أن موضوعاً كهذا تعتمد عليه سلامة الوطن ومستقبله لا يترك للأفراد مهما بلغ علمهم يتحدثون عنه بين متفائل ومتشائم، وإنما تعقد له مؤتمرات للمتخصصين تدرسه بعناية وتضع الخطط العلمية للتعامل معه، بل ونجلب معهم علماء أفذاذاً من الخارج لنعرف كيف نتصرف تجاه مشكلة قد تكون واقعية وهو فيما أظن الأقرب إلى الصواب، وقد تكون مجرد أوهام تبرع بها من الناس أجرأهم على القول بلا علم، ثم أن يكون لدينا في مثل هذه القضايا الحساسة التي تعني سلامة الوطن محاسبة لكل من يتحدث عنها بلا علم، ويترتب على حديثه ذعر لدى الناس وإحباط حتى لا يتكرر مثل هذا، وأن تلتزم وسائل الإعلام بهذا، فلا تسمح لأحد أن يتحدث عبرها عن مثل هذه المسائل الحساسة حتى يكون ذلك مطلوباً ومسموحاً به، فاليوم أصبح الإعلام لا خطام له يتحدث عن أخطر القضايا في كل شيء دون أن يكون متأكدًا من أن من يتحدثون من خلاله خبراء متخصصون مشهود لهم بالعلم والخبرة، مقبولة آراؤهم في الأوساط العلمية في الداخل والخارج خاصة في القضايا العلمية الخطيرة، ولنأخذ من هذا الطوفان من المتحدثين في الدين بلا علم، الذين أصبحوا يسببون لنا صداعاً يومياً بما يهذون به، ولم نعد قادرين على كبح جماحهم، وما يتعلق بالوطن يجب الحذر كل الحذر من أن يشيع بين الناس الإحباط بسببه، فهل نفعل؟ هو ما أرجو، والله ولي التوفيق. alshareef_a2005@yahoo.com