تراجعت التقديرات الروسية لعدد المقاتلين الذين يشملهم اتفاق وقف النار الموقع، أمس، من 62 ألف مقاتل إلى 50 ألفًا، وفق ما نقلته لـ«الشرق الأوسط» مصادر دبلوماسية غربية على اطلاع على تفاصيل المحادثات التي أفضت إلى الاتفاق. وبحسب هذه المصادر، فإن الفصائل الرئيسية السبعة الموقعة على الاتفاق هي كالتالي: أحرار الشام، وجيش الإسلام، وجيش المجاهدين، وجيش إدلب، وفيلق الشام، ونور الدين زنكي، والجبهة الإسلامية. ونجحت هذه الفصائل كما تقول المصادر الغربية التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» أمس، عبر الوساطة التركية ومن خلال المحادثات المباشرة مع المسؤولين العسكريين الروس في أنقرة، في انتزاع تنازل مهم، هو أن تشمل الهدنة كل الأراضي السورية، بما فيها المناطق القريبة من دمشق التي كان النظام، بدعم إيراني، يريد إخراجها من الهدنة بغرض «تنظيفها» من المقاتلين وتأمين العاصمة دمشق تماما. لكن الطرف الروسي «ضغط» على النظام لتكون الهدنة شاملة، ما يبين، وفق هذه المصادر «اختلاف المقاربة» بين موسكو وطهران، ليس بشأن شمولية الهدنة، ولكن خصوصا بشأن النظرة لمستقبل الوضع السوري، ولما هو منتظر في الأسابيع والأشهر المقبلة. وتشير المصادر الغربية إلى معلومات مصدرها الائتلاف السوري المعارض، تصفها بـ«غير المؤكدة»، تتحدث عن «بداية تحول» في النظرة إلى «جبهة فتح الشام» لجهة كونها مشمولة بالهدنة، فيما النظام يتحدث بعكس ذلك. وترى المصادر المشار إليها أنه إذا صحت المعلومة، فإنها ستكون «مؤشرا» على طبيعة التفاهمات «الضمنية» بين أنقرة وموسكو والتي من المفترض أن تظهر تباعا. وفي سياق مواز، شددت المصادر الغربية على أهمية التصريحات التي صدرت صباح أمس عن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، الذي شدد على رفض بلاده إقامة حوار مع الرئيس الأسد، ومطالبته بخروج جميع المقاتلين الأجانب من سوريا «بمن فيهم عناصر مما يسمى (حزب الله)». وينظر إلى هذين العنصرين على أنهما من باب «الطمأنة» للمعارضة السورية، وهي جاءت بعد المحادثات التي جرت في الدوحة «قبل ثلاثة أيام» ثم في أنقرة بين رئيس الهيئة العليا للمفاوضات رياض حجاب وجاويش أوغلو. من هذه الزاوية، فإنها تعكس «بعض هواجس» المعارضة، ما يعني عمليا أن أنقرة التي تطرح نفسها ضامنة للاتفاق «إلى جانب موسكو» تحولت بشكل ما إلى ناطق باسمها. بيد أن المصادر الغربية تعتبر أن ما عرف من الاتفاق يبين أنه «غامض» كما أنه ليست هناك ضمانات صلبة تشي بأن الهدنة سيتم احترامها بشكل تام وعلى كل الأراضي السورية، وخصوصا أن هدنات كثيرة تم التوصل إليها في الماضي، ومنها ما انهار قبل أن يبدأ العمل به. فضلا عن ذلك، قد تكون هناك أطراف «متضررة» أو ذات مصلحة في نسف الهدنة لإظهار أن الطرفين الراعيين، أي روسيا وتركيا «لا يملكان كل الأوراق» في سوريا، رغم أن النظام السوري والفصائل المعارضة والائتلاف دعوا إلى احترام الهدنة. ومن المسائل التي قد تكون مصدر تهديد لها، مسألة الفصل بين جبهة فتح الشام والفصائل الأخرى، وهي الحجة التي استخدمتها روسيا «والنظام» في السابق لحشر المفاوض الأميركي والتذرع بها لاستمرار العمليات العسكرية. وليس من المؤكد أنها لن تكون مجددا سببا في انهيار الهدنة أو خرقها. أما في الجانب السياسي، فتعتبر الأوساط الغربية أن الاتفاق الموقع يعكس التطورات الميدانية الأخيرة «سقوط حلب»، وتراجع الدور الأميركي، وتمكن روسيا من الإمساك بالأوراق العسكرية والسياسية على السواء، ما يؤشر إلى كونها الجهة التي ستقوم بتوجيه الدعوات لاجتماع آستانة قبل نهاية يناير (كانون الثاني) المقبل. وترى هذه المصادر أن الأتراك أرادوا أيضا «معاقبة واشنطن» التي تمر في مرحلة «انتقالية» بسبب ترددها في الاستجابة لمطالب أنقرة، مثل المشاركة في دعم عملياتها للسيطرة على الباب، وتفضيل وحدات حماية الشعب الكردية عليها، واعتبارها القوة الوحيدة القادرة على محاربة «داعش» في سوريا. يضاف إلى ذلك موقف واشنطن من الانقلاب في تركيا، ورفضها الاستجابة لتسليم الداعية غولن المتهم بأنه «مدبر» الانقلاب على الرئيس رجب طيب إردوغان. وبالمقابل، فإن مسارعة الروس لإرسال طائراتهم لضرب مواقع «داعش» في مدينة الباب يبين مدى التفاهم المستجد بين أنقرة وموسكو على كيفية الإدارة المشتركة للأزمة السورية. يبقى موضوع الاجتماع المرتقب في آستانة الذي ترى فيه المصادر الغربية وسيلة روسية للتحكم بصورة الحل السياسي في سوريا، عن طريق التحكم بالجهات السورية المدعوة أو التي ستدعى، وبالأجندة الخاصة به. والواضح أن غرض موسكو متعدد الأوجه، أولها «إخراج الهيئة العليا للمفاوضات» من الصورة بحجة أن الاجتماع مقصور على «الداخل»، بينما الهيئة معارضة «خارجية». ويصب في أهداف موسكو «إيجاد معارضة طيعة من خلال ضم مجموعتي القاهرة وموسكو وإعطائهما شرعية جديدة، الأمر الذي سيتيح لها لاحقا تغليب وجهات نظر محددة أكثر تساهلا مع النظام ومصيره في حال استئناف المفاوضات في جنيف»، وفق ما طالب به مرارا المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا. لكن هذه المصادر تؤكد أنه في حال العودة إلى جنيف، فإن «المرجعية» ستكون للقرار 2254 الذي يسمي في متن النص «الهيئة العليا للمفاوضات» التي لا يمكن عندها استبعادها من المفاوضات والتي ستكون بالتالي في مواجهة النظام. لكن هذه المسائل تبدو اليوم «بعيدة» بعض الشيء بسبب انعدام الوضوح والوقوف عند المبادئ العامة التي يحتاج كل بند منها لمناقشات ومساومات يعرف كيف تبدأ ولا يعرف كيف تنتهي. فضلا عن ذلك، فإن قناعة المصادر المشار إليها أن «حلولا تفرض من فوق»، أي من غير قبول وقناعة الأطراف المعنية «لا يمكن أن تكون دائمة أو ناجعة» ما سيفرض تسويات تم الاتفاق والتفاهم عليها.