قرار سلطنة عمان الانضمام إلى التحالف الإسلامي العسكري الذي تقوده المملكة العربية السعودية لمواجهة الإرهاب، يرتدي أهمية استثنائية في توقيته ومعناه. القرار قبل كل شيء يُسجل عودة عُمانية قوية إلى حضن دول مجلس التعاون الخليجي، ويُكمل حلقات التعاون العسكري والأمني بين دول المجلس، التي تواجه تحديات الإرهاب والمحاولات الإيرانية للهيمنة. القرار المهم يأتي في نهاية عام مفصلي مرّ على المنطقة... عام حافل بالسلبيات، إذ يكفي المراقب أن يلقي نظرة على تطور الأحداث، من سوريا إلى العراق واليمن، ليطرح السؤال عن أبعاد كل هذا الاستهداف الإجرامي الذي تتعرض له المنطقة المحاصرة بنار الاحتلال الخارجي ونار الإرهاب. ففي سوريا، ورغم التطورات السياسية المهمة في الساعات الأخيرة التي لا يمكن الحكم عليها بعد، فالعام الذي نودع انتهى بكارثة تدمير حلب واقتلاع أهلها وتهجيرهم، وهي خطوة باتت معها «سوريا المفيدة» رهينة. وفي العراق الذي تتفاقم فيه التجاوزات التي تهدد بإلغاء نسيجه، تحيقُ الكارثة بالموصل شقيقة حلب، لأنه بالأسلوب المتبع لاستعادتها من تنظيم داعش، يُخشى أن يتحول تحريرها من التنظيم إلى تحرير المدينة من أهلها، مع ما لذلك من أبعاد خطيرة. أما اليمن فإن جماعات الحوثي والمخلوع صالح، لا تزال، تمعن بتخريب كل الجهود الصادقة للتسوية السياسية، وتُواصل أعمال الفتنة والإرهاب التي يدفع ثمنها كل أبناء اليمن، ومعهم إخوانهم في المملكة من أبناء المناطق الحدودية. منذ تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربي، كان لعُمان نهجها الخاص وسياستها المحددة التي نسجت، لأسباب آنية وبعضها تاريخي يعود لسبعينات القرن الماضي، هو منحى النهج الوسطي. وعلى الدوام كان هناك حرص من القيادات العمانية على رفض أي إساءة لبلدان مجلس التعاون الخليجي. وتبعًا لهذه السياسة بالذات حافظت عُمان على علاقات جيدة مع جماعات الحوثي في اليمن، وهي لم تشارك في «عاصفة الحزم»، رغم أنها شاركت لاحقًا في تدريبات «درع الشمال» الشهيرة. هذا ما شكل الخلفية لاستضافة مسقط، جولات من التفاوض بين أطراف النزاع في اليمن، جولات لم تسفر عن شيء، لأن فريق الحوثي والمخلوع صالح لم يلتزما يومًا لا عهدًا ولا ميثاقًا. عندما أُعلن عن قيام التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب، وضم في حينه أربعين دولة، انطوى الإعلان على بُعد استراتيجي شديد الأهمية... بعدٌ مفاده بأن أطراف التحالف، والسعودية في المقدمة، هم من سيتصدى للتنظيمات والجماعات الإرهابية، وأنهم لن يسمحوا بنشوء أي فراغ سياسي أو عسكري في المنطقة. وبوضوح أكبر، وإن كانت المواجهة مع إرهاب جماعة الحوثي مثلاً، وضعت على النار مهمة قطع بعض أذرع الإرهاب. وربما ساعد مضي كل هذا الوقت على إعلان التحالف، والدور الذي قام به، معطوفًا على الاندفاعة المكشوفة للحرس الثوري، في كثير من البلدان العربية، ومن ضمنها بعض دول مجلس التعاون، قد حسم القرار العُماني، فباتت معه السلطنة الدولة الحادية والأربعين التي تنضم إلى التحالف. انضمام عمان إلى هذا التحالف، خطوة مهمة لحشد طاقات دول مجلس التعاون الخليجي، بشكل موحد في المعركة ضد التنظيمات الإرهابية، أيًا كان مذهبها أو مسمياتها، خطوة تسقط الرهانات الخاطئة، وتقطع الطريق على محاولات الاستهداف المتكررة. وإذا كان من الصعب على اللاعب الروسي تجاهل أبعادها، فإن هذه الخطوة في هذا التوقيت، قبل ثلاثة أسابيع فقط على تسلم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب دفة الزعامة الأميركية، وهو الذي غرّد مرارًا بما مفاده بأن محاربة الإرهاب على رأس أولوياته، سيجد إذا ما أراد، في هذه المجموعة، نواة صلبة مجربة، تتقدم القوى الجدية لمحاربة الإرهاب بكل أشكاله، لاستعادة الأمن والاستقرار.