حسنًا فعلت بلدية محافظة البدائع، في منطقة القصيم، وسط السعودية، في مهرجان المحافظة الأخير. الخبر، حسب جريدة «الوطن» السعودية، منع وجود «مهرجي» السوشيال ميديا، بخاصة «سناب شات». ليست القصة في منع وجود هذه التطبيقات، هذا مستحيل أصلاً، مع أن هناك دولاً، مثل تركيا، تمنع الوصول لهذه التطبيقات وقت التوتر الأمني، ودولاً تمنع وجود هذه التطبيقات أصلاً، كالصين. لا نقول ذلك - ولا نقول إن «كل» ما فيها سيئ - لكن لا يجوز «الاستسلام» لمثل «فيسبوك» و«سناب شات» و«تويتر»... إلخ. هذا تفريط في المصلحة العامة للمجتمع، وإهانة لمعايير العلم ومعنى الصدق والكذب، ومساواة بين المهرج والمنجز الحقيقي، وتعميم لثقافة الخفّة والابتذال، أو مساعدة على جعل الحمقى هم المشاهير. على ذكر الحمقى، فقد كان وصف الفيلسوف والروائي الإيطالي إمبيرتو إيكو (رحل عن عالمنا مطلع العام المنصرم) وصفًا مؤلمًا ومضحكًا حدّ البكاء. قال إيكو في مقابلة مع صحيفة «لاستمبا» الإيطالية: «أدوات مثل (تويتر) و(فيسبوك) تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى، ممن كانوا يتكلمون في البارات فقط بعد تناول كأس من النبيذ، دون أن يتسببوا في أي ضرر للمجتمع، كان يتم إسكاتهم فورًا. إنه غزو البلهاء». شركات السوشيال ميديا، مثل «غوغل» و«فيسبوك» و«تويتر»، وغيرها، تشكل قوة هائلة في العالم المعاصر؛ قوة مالية وإعلامية، ترهب كل من يحاول تهذيب توحشها. فكرتها بوضوح هي التوسع في قاعدة العملاء، أي المشتركين، دون عوائق، ومقاومة أي ضغط للمحاسبة، حتى لو كان الأمر يتعلق بحسابات الإرهابيين، ويتم التعاون، نادرًا، في أضيق الحدود. الحجة «الليبرالية» طبعًا هي حرية الرأي، وصون الخصوصية الفردية، هذا هو الغشاء الأخلاقي لهذه الوحوش الجديدة؛ الشركات، لكن الباطن الحقيقي هو صون المصالح المادية، وإلا؛ فإن كثيرًا من هذه الشركات تشتري تطبيقات جديدة، بكل قواعد بياناتها، ضاربة عرض الحائط بخصوصيات المشتركين، وما قصة شراء «فيسبوك» لـ«إنستغرام»، عنا ببعيد. مشكلة الانفلات على هذه المساحات لا تخص الأمن الحكومي فقط، بل السلم الأهلي، ولا تخص العرب والمسلمين، كما يروج «ليبراليجية» العرب، أو نشطاء الإخوان، «محدثي الديمقراطية»، بل هي مشكلة عالمية. قبل فترة، أودع المراهق إيموس يي (17 سنة)، من سنغافورة، السجن 3 أسابيع، بعدما أدانته محكمة بتهمة «خدش المشاعر الدينية»، على أحد حساباته. نعم، لا يمكن محو هذا الواقع، لكن يجب على مؤسسات الإعلام، وطبعًا الحكومات، التعامل مع هذه العوالم، من باب «إدارة الأزمة» ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وليس من باب الخضوع لها، فضلاً عن ترويج نجومها «الحمقى» على حد وصف المفكر الإيطالي الراحل.