القاهرة: الخليج شهدت الدراما المصرية خلال العام المنقضي 2016، العديد من الأعمال المتميزة التي أثبتت من خلالها أنها استطاعت استعادة جزء كبير من عافيتها، بعد تدهور ملحوظ شهدته في الأعوام الستة الأخيرة، ساعدها على ذلك ظهور جيل جديد من المخرجين والمؤلفين؛ بل والممثلين، استطاعوا ضخ دماء جديدة في عروقها ساعدت بشكل جيد على إعادة الروح لها، بعد أن كادت تلحق بالسينما المصرية في أزمتها على مستويي الكم والنوع. وفي السطور التالية يتحدث فنانون ونقاد عن الدراما بين 2016 و2017. إذا عدنا بالذاكرة إلى عام 2015، نجد أن الدراما المصرية استطاعت أن تتجاوز أزمة الكم، حيث قدمت ما يقرب من 50 مسلسلاً غلب عليها التكرار والمط والتطويل، والسير على نهج واحد، فكانت مثار انتقادات كل النقاد والمهتمين، غير أن القائمين على الصناعة حاولوا تدارك ذلك في العام التالي 2016، عبر محاولة تقديم مضمون مختلف ومتنوع، حتى ولو على حساب الكم، ليتراجع عدد الأعمال المنتجة من 50 إلى 30 عملاً في 2016، من خلال توليفة درامية متنوعة، بين أكشن وكوميدي وتراجيدي ورومانسي، وعبر تقنيات عالية التصوير والإخراج، كما اجتذبت الدراما فناني ومخرجي السينما، وأيضاً جمهورها. وقد بدأت بالفعل التعاقد مع كبار النجوم لمسلسلات العام الجديد 2017، فضلاً عن نجاح القائمين على الصناعة في كسر الحصار الذي فرضته عليهم شركات الإعلانات، للعرض خلال شهر رمضان فقط، لتظهر أعمال جديدة عرضت في أوقات جديدة، وفي مواعيد مختلفة خلال العام. في البداية ورغم سعادته البالغة بمحاولة الدراما المصرية استعادة عافيتها، وتغلبها على أزماتها؛ إلا أن النجم الكبير عزت العلايلي، لم يخف قلقه من الفترة السابقة التي مرت بها الدراما المصرية، والتي وصلت خلالها إلى تدهور واضح على مستوى النوع، خاصة في ظل تخلي الدولة عن الإنتاج، ممثلة في قطاع الإنتاج، وصوت القاهرة، ومدينة الإنتاج الإعلامي، تاركة الساحة للقطاع الخاص وحده، ووكالات الإعلان.. ويتابع العلايلي: النتيجة أننا لم نر خلال السنوات الماضية أعمالاً عن الرموز المصرية، وهي كثيرة جداً، فضلاً عن اختفاء الأعمال الدينية والاجتماعية، التي تحمل رسالة تصب في شأن الهوية وقضايا الأمة، خاصة أن كبار الكتاب تم إقصاؤهم عمداً، وصارت ورش السيناريو رخيصة الثمن، وعديمة الخبرة، هي مصنع الدراما. يضيف العلايلي: مع احترامي للجميع، لكن أغلب ما كان يعرض على الشاشة خلال السنوات الماضية، افتقد للشكل الدرامي المتقن؛ لذلك وجدنا نموذج "البلطجي" هو الرمز الطاغي، الذي يحرض على تفكيك الدولة ومحاربة القانون، وتعظيم قيم الغابة، وإحلال الفوضى وأخذ الحق بالذراع، فضلاً عن أن نموذج المرأة المنحلّة والخائنة أصبح هو النموذج النسائي السائد على الشاشة، مع مفردات لغوية مبتذلة، دون بذل جهد فني حقيقي للتعبير عن القبح بصورة جمالية، بحيث تصل الرسالة بدون خدش للحياء العام، أو تكريس للقبح والشر. ورغم ذلك يؤكد العلايلي: أنا متفائل بتحقيق خطوات مهمة على مستوى الكيف خلال العام المنقضي، وأعتقد أن هذا سيزداد خلال 2017، وتعود الدراما المصرية إلى سابق عهدها، من ناحية المضمون والتنوع، وتقديم كافة أشكال الدراما، من اجتماعية ودينية وكوميدية، فهذا يثري الشاشة العربية، خاصة أن أغلب الدول العربية الشقيقة تعتمد إلى حد كبير على الدراما المصرية. من جهته يقول السيناريست مجدي صابر: إذا تم التخطيط الجيد للدراما المصرية، على مستويات الشكل والمضمون والتسويق، داخلياً وخارجياً، من المؤكد أنها ستكون مصدراً كبيراً من مصادر الدخل القومي، مثلما كانت السينما المصرية يوماً مّا. ويضيف صابر: صناعة الدراما في الولايات المتحدة الأمريكية، تعد من أهم مصادر الدخل، فلا شك أن الدراما المصرية حدثت لها طفرة كبيرة في السنوات الأخيرة، وإن كانت تراجعت خلال السنوات الخمس السابقة، بسبب الأحداث التي مرت بها الدول، فضلاً عن التخبط وسوء الأحوال الاقتصادية؛ ما أدى إلى سوء التخطيط وعدم وجود رؤية واضحة لهذه الصناعة المهمة، وإن كانت بدأت تتعافى إلى حد ما خلال العام الماضي، غير أن أفضل ما في الموضوع هو خلق مواسم موازية لشهر رمضان لعرض عدد كبير من المسلسلات، فأنا لم يعرض لي مسلسل منذ أربعة أعوام خلال شهر رمضان، لأننا كنا نعرض سلسال الدم خارج الموسم، ويحقق نسب مشاهدة عالية جداً، وكذلك الجزء الرابع سيعرض خلال الفترة المقبلة قبل حلول شهر رمضان، وهذا يعطي فرصة لمشاهدة الأعمال بشكل أفضل بعيداً عن زحام 30 أو 40 مسلسلاً خلال شهر واحد. من جانبه يؤكد المنتج عادل حسني، أن صناعة السينما والدراما هي أحد مقومات الدخل القومي لمصر، مشيراً إلى أن الدراما المصرية هي الأكثر انتشاراً في الوطن العربي، وأعتقد أن ما قدم خلال 2016، يؤكد أن الدراما المصرية استطاعت أن تعود بقوة، وسيشهد عام 2017، نقلة نوعية على كافة المستويات في الكم والنوع، غير أن أهم ما ينقص الدراما هو عودة الدولة للإنتاج، وعدم الاكتفاء بالاعتماد على القطاع الخاص فقط؛ لأن دعم الدولة لهذه القوة الناعمة يزيد من قوتها وتواجدها؛ فضلاً عن ضرورة عودة المسلسل الشهري، طوال أيام السنة، وليس في رمضان فقط. بدوره يقول نقيب السينمائيين مسعد فودة: الدراما المصرية لا تزال تمر بأزمة، حيث قلّ عدد المسلسلات خلال العام 2016، إلى 30 مسلسلاً، بعد أن كان إنتاج الدراما سنوياً أكثر من 50 عملاً، هذا على مستوى الكم، وأعتقد أن العدد لن يزيد على ذلك في 2017، بسبب الأزمات الاقتصادية. ويضيف فودة: في رأيي أن السبب الرئيسي وراء هذه الأزمة هو الارتفاع المبالغ فيه لأجر النجم الأول في المسلسل، الأمر الذي ينعكس بشكل سلبي على بقية عناصر العمل الفني، فضلاً عن خلق حالة من البطالة بين العناصر التقنية المشاركة في العمل الفني، من مصورين ومهندسي صوت ومونتاج، وديكور، وغيرهم.. لذا لا بد من خلق حالة توازن في أجور كبار النجوم، واستعادة هيبة الدراما، بعد أن سقط صناع الدراما في فخ الإعلان التجاري ووحدانية النجم؛ حيث عدنا لنسمع مسلسل النجم فلان، أو النجمة فلانة، رغم ما يحاولون ادعاءه من أن الدراما تسعى إلى البطولة الجماعية، ويؤكد ذلك أن بطل المسلسل يحصل على أكثر من نصف ميزانية العمل بمفرده، فيما يحصل باقي عناصر العمل من ممثلين ومخرجين ومؤلفين ومصورين وكل العناصر الفنية على النصف المتبقي من ميزانية العمل! أما على مستوى الكيف، فيؤكد فودة: لا شك أن هناك طفرة حقيقية في الدراما والسينما المصرية خلال السنوات الأخيرة، سواءً على مستوى الكتابة أو الإخراج أو التصوير أو المونتاج، وكل مراحل العمل الفني، وهذا شيء مبشر جداً، يبقى فقط أن يتم التخطيط الجيد لهذه الصناعة، وقتها يمكن أن تتصدر القائمة في منطقة الشرق الأوسط كله. من جانبه يقول الناقد طارق الشناوي: الدراما المصرية خلال العام 2016، شهدت تطوراً كبيراً على كافة المستويات، وقدمت العديد من الجوانب الجيدة على المستوى الفني والتقني، أضف إلى ذلك أن هناك العديد من النجوم استطاعوا إثبات أنفسهم خلال العامين الأخيرين، أمثال طارق لطفي، وعمرو يوسف، وحسن الرداد، وأمينة خليل، ومحمد ممدوح، وغيرهم، ليشكلوا جيلاً جديداً من نجوم الدراما التلفزيونية. ويضيف الشناوي: مؤكد أن هناك تراجعاً ملحوظاً في مشاهد العنف والألفاظ، أقل من السنوات السابقة، غير أن الملاحظة الأهم هي أن الأعمال الكوميدية لا تزال غائبة ولا تجد مكانها على خريطة الدراما؛ بالرغم من وجود عدد كبير من نجوم الكوميديا، لكن من الواضح أنه لم يكن هناك من يستطيع استغلال وجودهم من كتّاب ومخرجين للأعمال الكوميدية، وأصبح التركيز بشكل كبير على الأعمال التي تتناول رجال الأعمال وزواج السلطة بالمال، والصراع من أجل الوصول إلى السلطة. وترى الناقدة خيرية البشلاوي، أن الدراما المصرية لا تزال بعيدة عن الواقع إلى حد ما، خاصة في ما يتعلق بالأعمال التي تتناول المرأة، حيث لم تعكس أغلبها صورة المرأة المصرية، وعملت على تشويه الواقع وتقديمها بشكل مغاير تماماً للنماذج الحقيقية الموجودة في المجتمع، فضلاً عن اختفاء الدراما الاجتماعية والوطنية والدينية. وتضيف البشلاوي: أهم ما ميز دراما العام المنقضي هو ظهور أجيال جديدة في كافة المجالات سواء التأليف، أو الإخراج، أو حتى التمثيل، وتصعيد الصف الثاني لتحمل البطولة في الكثير من الأعمال، وأثبتوا وجودهم وتحملهم المسؤولية بشكل رائع، فضلاً عن ظهور ما يسمى بالممثل المثقف، الذي يضيف إلى لأداء من الإحساس ما يجعله على مستوى عالٍ جداً، ويوضعون في مصاف كبار النجوم، وهذا بالتأكيد إلى جانب المبدعين الكبار.