تعمل سابرينا صديقي مراسلة في الشأن السياسي من واشنطن لصحيفة الغارديان البريطانية. كما عملت في التغطيات السياسية الأميركية لصالح صحيفة هافينغتون بوست، وعملت أيضاً مع فريق البيت الأبيض لوكالة أنباء بلومبيرغ نيوز. "ينبغي علينا إبادتهم". انزلقت تلك الكلمات من لسان أحد المصوتين كأنه كان يتناقش حول مجرد غزو لإحدى الآفات التي تضرب بلاده. لقد كان يتحدث عن المسلمين. تقول سابرينا - بحسب ما ذكر تقرير لصحيفة البريطانية - تجمدتُ في مكاني مع إدراكي فجأة ما تعنيه هويتي المسلمة، إذ إن شعري الطويل أخفى بالكاد القلادة التي كنت أرتديها، التي حملت اسم "الله" بالأحرف العربية. بدأت المحادثة بنفس الطريقة التي يمكن أن يتم من خلالها أي تفاعل مع أحد المصوتين. جاء الرجل كي يشاهد راند بول وهو يتحدث في مأدبة غداء بمدينة روك هيل في ولاية كارولاينا الجنوبية. اقتربت منه كي أعرف رأيه في ترشح بول، عضو مجلس الشيوخ لولاية كنتاكي. وقد حدث هذا عندما تطرّق الموضوع لقضية الأمن القومي، التي وضعها على رأس قائمة أولوياته، ليعبر إثر ذلك عن رغبته في تطهير الولايات المتحدة من المسلمين. سألته: عندما تقول "إبادة"، هل تقصد أنه ينبغي علينا أن نقتل المسلمين الذين يعيشون في أميركا؟ ثم تابعت حديثه وأنا أضع على وجهي قناع التشكك مثلما تدربت أن أفعل دائماً باعتباري صحفية. لكنه صدّق على ذلك قائلاً: نعم إن لم يغادروا نبدأ في قتلهم. خوف على سلامتي الشخصية لم يسبق لي أن أشعر بالخوف على سلامتي الشخصية في طريقي لتغطية أي انتخابات أميركية سابقة. إلا أن ذلك حدث لي في تلك اللحظة التي كنت أسافر فيها وحدي، وأقضي عدداً لا يمكن إحصاؤه من الساعات داخل السيارة التي استأجرتها وأنا أقودها عبر الولاية التي لا أعرفها. على الرغم من أن كلماته لم تبرح رأسي لـ 19 شهراً، لم أستخدمها كثيراً فيما بعد. الآن فقط عند استعادة تلك الكلمات، أدرك أنها تنذر بالغضب والخوف الذي هيمن على مشهد الانتخابات الرئاسية في 2016. لقد كنت واحدة من مئات الصحفيين الذين قضوا ما يقرب من عامين يمارسون حياتهم في غرف الفنادق وعبر حقيبة سفر كي يغطوا الانتخابات التي صارت بعد ذلك بقليل أكبر قصة يتحدث عنها العالم. ولكن باعتباري مسلمة كنت مجرد شخص واحد ضمن عدد قليل منهم. شاركت في التغطية الصحفية للمرشحين باعتباري أحد أعضاء الصحافة المتجولة، في البداية كانت للمرشح الجمهوري ماركو روبيو، ثم للمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون. كنت أحاول، عندما يحدث خلط في مواعيد الطائرات والحافلات والتجمعات، أن أسعى خلف القصص والحكايات على الأرض في الولايات المتأرجحة بين انتخاب أحد المرشحين؛ في محاولة لتحرّي المزاج الذي يسيطر على المجمع الانتخابي هناك. على عكس صديقتي أسماء خالد، التي سجلت تجربتها ببلاغة، لم يكن ثمة شيء يوضح أنني مسلمة. إنني لا أرتدي حجاباً. وبالنسبة للأغلبية التي تمتلك في مخيلتها صورة محددة عما يبدو عليه المسلمون، لم تكن امرأة مثلي، ترتدي ثوباً لا يغطي أسفل الركبة ودون أكمام، انعكاساً لتلك الصورة. ربما كان السبب الذي يجعل المصوّتين يتحدثون إليّ عن آرائهم الصريحة عن المسلمين، هو عدم قدرتهم على الربط بين الصورتين. كان ثمة المزيد من المحادثات المرعبة، مع أولئك تمنوا صراحةً وبصوت عالٍ، حدوث عنف وبدء معسكرات اعتقال. تماماً مثلما حدث مع ذاك الرجل في ولاية كارولاينا الجنوبية. داعش يبحث عن عرائس هناك آخرون ممن كانوا فكاهيين، مثل تلك المرأة العجوز اللطيفة التي سحبتني جانباً خلال تناول إحدى وجبات الغداء في نيو هامبشاير. وحذرتني من أن داعش يبحث عن عرائس، وكانت قلقة حقاً من أنني قد أتعرض للخطف. نصحتني قائلة: أخبري رؤساء التحرير الذين تعملين معهم أن يوفروا لكِ بعض الأمان. ولكن مع استمرار الحملة، استمر معها فصل هويتي الشخصية عن التزاماتي المهنية. أتذكر اليوم الذي قال فيه بن كارسون خلال مقابلة، إنه لا يعتقد أن أي مسلم ينبغي أن يصير رئيساً للولايات المتحدة. استمريت في أداء مهمتي بجمع ردود الأفعال من المتنافسين الجمهوريين الـ 16 الآخرين بصورة شبه آلية، إلى أن سقطت دموعي على لوحة المفاتيح بينما كنت أكتب عليها. في نفس الأسبوع حافظت على رباطة جأشي عندما كنت أقدم تحليل الساعة على قناة MSNBC. لكنني كدت أسقطها مرة أخرى لاحقاً عندما جاءت طفلة ابنة عمي، التي تربت على أني خالتها، ووقفت أمامي في إحدى الحفلات العائلية. كانت تبلغ من العمر 7 أعوام في هذا الوقت، وفي العادة تتابع ظهوري على شاشات التلفاز كي ترى ما أرتديه أو تعبر عن إعجابها بمكياجي اللامع وشعري. إلا أنها ألقت عليّ هذه المرة سؤالاً. سألتني الطفلة: هل هو صحيح، أن شخصاً قال إننا لا نستطيع أن نصير رؤساءً؟ شعرت حينها بأن شخصاً لكمني في أحشائي. بالنسبة لفتاة الكشافة التي وُلدت في الولايات المتحدة، والتي بدأت دراستها بالصف الثاني منذ وقت قليل، لم يقل شخص ببساطة إنه لا ينبغي لأي مسلم أن يصير رئيساً. بل إن شخصاً قال إنها "هي" لا ينبغي أن تصير رئيسة. أخبرتها بألا تقلق -وأنها يمكنها أن تكون أي شيء ترغب فيه، حتى وإن كانت ترغب في أن تصير رئيسة. ومن السخرية أنني لم أصدق كلماتي، وتوجهت إلى والديها وقلت لهم إنه ربما لا ينبغي عليها أن ترى المشاهد التي تُعرض لي خلال الانتخابات. غير أن ذلك بدا مُبالغاً فيه. بالإضافة إلى أني فكرت، إلى أي درجة من السوء قد يتطور الأمر؟ خروج عن النص في مساء السابع من ديسمبر/كانون الأول، كنت أتناول عشائي عندما طالب دونالد ترامب بمنع جميع المسلمين من دخول الولايات المتحدة. لم يكن التسبب في حالة من الجدل شيئاً جديداً بالنسبة للمرشح الرئيسي للحزب الجمهوري، لكني اعتقدت بكل تأكيد أنه خرج عن النص في هذه المرة. انتقلت بمؤشر التلفزيون آنذاك إلى قناة "سي إن إن"، حيث كان ترامب يقف أمام حشد من المؤيدين في كارولاينا الجنوبية ويقرأ البيان بنفسه. لقد ترددت في استخدام صوتي الشخصي في الانتخابات، إذ كنت أحرص على المحافظة على مهنيتي. بيد أنه اتضح لي أن بعض غرف الأخبار في أميركا لا تمتلك سوى مسلماً أو مسلمَين على الأكثر، ومعظمهم ليس لديهم أي مسلمين بينهم. كنت دائماً أدعو إلى المزيد من التنوع في الإعلام، فما الذي جنيناه من دفع رؤساء التحرير لتعيين أشخاص ينتمون إلى الأقليات؟ هل حدث ذلك فقط كي أشعر أنه، بطريقة ما، من غير المناسب لنا أن نشارك وجهات نظر محددة تبدو غير مألوفة في أعيننا؟ لذا أرسلت تغريدة ذكرت فيها أن عائلتي كانت أميركية، لكنها قضت ١٠ أعوام تعيش في إيطاليا خلال فترة طفولتي. هل سيسمحون لنا بالعودة إلى وطننا مرة أخرى بعد المقترح الذي أدلى به ترامب اليوم، أم لا؟ أوضحت حملته بعد ذلك بقليل أن ذلك الحظر لن يُطبق على المواطنين الأميركيين. لكنه سيؤثر على جميع المسلمين من الجنسيات الأجنبية، حسب ما حدد ترامب، إلى أن تستطيع الحكومة الأميركية أن تعرف "ما الذي يجري بحق الجحيم"، حسب التعبير الذي جاء في بيانه. غرّدت مرة أخرى عن عدد الأشخاص في عائلتي الذين سيبقون ممنوعين من المجيء لزيارتنا. لم يكن غرضي أن أدفع بأجندة ما، ولكن لكي أوضح من سيتأثر بمثل ذلك المقترح. وحتى بالنسبة لبعض زملائي في الإعلام، فإنهم يرون أن الدول ذات الأغلبية المسلمة قد تستحضر أمامها صوراً مخيفة. ينبغي عليهم أن يعرفوا على الأقل أن الأشخاص الذين يمثلون أهلي ويأتون من باكستان، هم خالاتي وعماتي وأخوالي وأعمامي وأبنائهم، الذين ينضمّون إلى عائلتنا ليحتفلوا معنا بعيد الشكر، أو ليقضوا الإجازة الصيفية هنا. لذا، سيكون الأمر أيضاً كذلك بالنسبة للأغلبية العظمى من المسلمين الذين يدخلون الولايات المتحدة سائحين أو طلبة أو عمالاً. واصلت تقديم الأخبار، كالعادة، التي تتسبب فيها تعليقات ترامب: سواء السياسات، أو التداعيات السياسية، أو الاستنكار من أحد أعضاء حزبه، وهو الشيء الذي صار روتينياً. كان نهاية الليل، عندما أستقر على سرير آخر بإحدى الفنادق، هو دوماً التوقيت الذي يؤرقني. كنت أشعر بالتعب في الغالب لدرجة أنني لم أعد أذكر في أي جزء من البلاد أتواجد الآن، كما أني لم أستطع أن أخلد إلى النوم ببساطة في ليالٍ كثيرة. فكلما كانت تطفو نبرة تنميط المسلمين إلى سطح النقاشات، كلما زاد صراعي حول الطريقة التي يمكنني من خلالها تجاوز الخلفية التي أنتمي إليها. في الأسبوع الذي سبق الانتخابات التمهيدية في نيو هامبشاير، انتقد ماركو روبيو زيارة باراك أوباما لأحد المساجد خلال أحد التجمعات. ظهرت تعليقاته في العناوين الرئيسية على الفور وأثارت تساؤلاً واضحاً لمتابعتها عندما ظهر أمام الصحفيين في اليوم التالي. في ظل التحاقي بالحملة للتغطية، عرفت أنني سوف أطرح تساؤلاً، وقد فعلت ذلك. تجهزت لأن أسأل روبيو عن السبب الذي جعله يتحدث عن زيارة أوباما، وهل كان ليقترح بألا يذهب إلى المسجد إن كان رئيساً. إلا أن شيئاً طغى عليّ. خوف من إعلان هويتي في ظل سباقات الترشيحات التي تعمل بكل طاقتها، كان ثمة حضور إعلامي أكبر، وكنت مترددة من أن يدركوا من سؤالي أنني المسلمة الوحيدة هناك. هل سأكون الصحفية المسلمة التي تطرح تساؤلاً يخص المسلمين؟ هذا ما دار بذهني. اخترت موضوعاً آخر، وظننت أنه من المؤكد أن ذلك السؤال الذي أردت طرحه، سيطرحه كثير من الصحفيين الحاضرين على عضو مجلس الشيوخ، إذ إنه السبب الرئيسي الذي جعله يتصدر العناوين الرئيسية ذلك اليوم. ولكن مع نهاية المؤتمر الصحفي، لم يُطرح السؤال. أدركت خطئي على الفور، ليس باعتباري مسلمة ولكن باعتباري صحفية. عندما طرح الصحفي جورج ستيفانوبولوس سؤالاً على روبيو كي يوضح تعليقاته حول زيارة أوباما لأحد المساجد خلال إحدى المناظرات الجمهورية بعد أيام، كان هذا بمثابة لحظة توجيهية بالنسبة إليّ. لقد كان السؤال متاحاً أمامي، ولم يكن عليّ أن أتشكك في سلطتي لطرحه. كان جزء من تحفظي نابعاً من الطريقة التي سيعالِج بها فصيل من القراء ظهوري المتكرر في مسار الحملة. في أي يوم، سيكتظ الجزء الخاص بالتواصل معي على تويتر (mention)، من بعض الأشخاص الذين يتابعون عملي، ومعظمهم من مؤيدي ترامب، بصور عن التفجيرات الانتحارية وصور من الهجمات الإرهابية العنيفة. تعاملت مع التهديدات التي كنت أنقلها عبر تغريداتي على تويتر، لكنهم كانوا في الغالب من المجموعة المتنوعة التي تُناقَش دوماً باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يسمح إخفاء الهوية للمستخدمين، بأفق لا حدود لها. رغم ذلك، كان ثمة بعض الأوقات التي شعرت خلالها بأنني ربما لا أمتلك داخلي ما يجعلني أكمل السير. عينتني صحيفة الغارديان كي أغطي الحملة واقتنصت الفرصة كي أخرج وأواصل المسير على نفس الدرب. ما بدا على السطح أنني كنت أقضي أفضل أوقات حياتي، لكني كنت أصارع الكثير من الأشياء بداخلي. لا أقول إنها لم تكن تجربة لا تُنسى. فقد تعلمت الكثير من السفر عبر البلاد التي لم أكن لأراها بأي طريقة أخرى، كما أني كوّنت صداقات دائمة، وزادت خبرتي الصحفية. أدركت أيضاً أن مجتمعي كان يعتمد عليّ. كان هناك الزوجان السوريان اللذان اقتربا مني في الاحتشاد الذي نُظم من أجل روبيو في ولاية فيرجينيا، وطلبا مني أن أستمر. وأيضاً المهاجرون البنغلادشيون الذين أخبروني خلال احتشاد لهيلاري كلينتون في ولاية آيوا بأنها كانت مفاجأة سارة بالنسبة لهم أن يروا وجهاً مسلماً على التلفزيون، لا يتحدث عن الأمن القومي بل عن السياسات العامة. كما كان هناك أيضاً بعض الكلمات التشجيعية بصورة مستمرة من الأصدقاء، والمعارف الذين عرفتهم عبر وظيفتي، والغرباء من كلا الحزبين، على امتداد خلفياتهم؛ ليذكروني بالسبب الذي جعل والديّ يختارا الولايات المتحدة الأميركية لأن تكون وطناً لهم منذ 40 سنة تقريباً. سأكذب إذا قلت إن تلك الأشياء وحدها كانت كافية لتعويض الأوقات التي أشعر فيها أنني غريبة في بلادي، فكانت لها عاملاً مُساعِداً بالطبع. لكنها لم تغير من حقيقة أنني بخست عدد الأميركيين من أبناء وطني الذين لم يقولوا صراحةً وفي العلن، عما يعتقدونه عن المسلمين أو المهاجرين. كانت طريقتي لاستئصال النظرة التنميطية عن المسلمين تعتمد على محاولة تقديمي لأفضل ما أمتلكه. وقد علمتني هذه الانتخابات أن العمل الحقيقي بدأ لتوّه. هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط .