غداة الجدل الواسع الذي أثاره تقرير صحافي عن سكان القبور في طهران، وصف الرئيس الإيراني حسن روحاني، أمس، لجوء مشردين إيرانيين في العاصمة طهران بـ«المؤلم»، معربا عن «أسفه الشديد»، في حين دافع عن أداء حكومته في التصدي للفساد «الذي ينخر في هيكل النظام» وفق تصريحات سابقة لمساعده الأول إسحاق جهانغيري. وقال روحاني، خلال مؤتمر الداوئر الرقابية في المؤسسات الحكومية والوزارات والمحافظات من دون الإشارة إلى اسم المخرج أصغر فرهادي، إنه تسلم رسالة من أحد الفنانين حول مشكلة سكان القبور، وحاول روحاني المقارنة بين مشكلة المشردين في إيران بمناطق أخرى في العالم ومنها الدول الأوروبية، وقال: «سمعنا أن بعض المشردين يلتحفون ورق الكارتون بسبب الفقر والعوز ونرى مشردين في المحطات والجسور بدول أوروبية» وفي الوقت نفسه، تابع أنها المرة الأولى التي يري فيها مشردين يلجأون للقبور، وأضاف أن «فقراء بسبب الفقر والعوز يلجأون للعيش في داخل القبر من أجل حماية أنفسهم من البرد». جاء ذلك في حين تشير آخر إحصائية معلنة عن عدد المشردين في طهران إلى وجود أكثر من 16 ألفا وفق ما نقلت وكالة «فارس» في سبتمبر (أيلول) الماضي عن حسين شيخ مسؤول: «مشروع طهران مدينة بلا جوعى». وكان وزير الداخلية الإيراني، رحمن فضلي، قد أفاد في تصريحات صحافية أبريل (نيسان) الماضي بجمع 3 آلاف مشرد في عاصمة إيران خلال 2015. واقتبس روحاني أجزاء من رسالة فرهادي قال فيها إنه «يشعر بخجل من وجوده» بعد اطلاعه على التقرير لكنه بالوقت نفسه دعا إلى الوحدة ونبذ الخلافات الحزبية والتنافس الداخلي للوصول إلى حل المشكلات الأساسية التي باتت تؤرق المجتمع الإيراني. وتصدرت الرسالة الموجهة من المخرج فرهادي إلى روحاني، أمس، واجهة الصحف الصادرة في إيران، كما أن مضمون الرسالة وتقرير الصحف عن سكان القبور فتح نقاشا واسعا بين الإيرانيين حول تفشي البطالة والفقر فضلا عن التهديدات الاجتماعية ومعالجة السلطة لتلك الملفات. كما تفاعل الإيرانيون مع الحدث في شبكات التواصل الاجتماعي وعبر شخصيات فنية وإعلامية عبر حساباتهم في شبكات «تويتر» و«انستغرام» و«فيسبوك» عن موقفهم من تفشي الفقر بإيران في وسم «سكان القبور» و«الموؤودين» و«المشردين». وكتب مغرد في «تويتر» تعليقا على صورة المشردين في القبر: «إنه يوم عادي من جزيرة الثبات في إيران»، بينما سخر آخرون من إعلان مسؤول إيراني «ترتيب شؤون المقبرة بدلا من المشردين». من جهتها، سلطت صحيفة «شهروند»، التي خطفت الأضواء في إيران بعد نشرها التقرير، الأضواء على ردود فعل الجهات الرسمية وطرد المشردين من قبور كانوا يتخذون من القبور ملاجئ هربا من برد الشتاء. وأظهرت صور نشرتها الصحيفة على موقعها الإلكتروني أن 50 مشردا بينهم أطفال ونساء يجلسون القرفصاء أمام النار، وهو ما أثار سخطا واسعا على شبكات التواصل الاجتماعي. من جانبه، نفى محافظ طهران، أمس، سوء معاملة المشردين، بعدما ذكرت وسائل إعلام طرد المشردين من المقبرة المذكورة. وكانت صحيفتا «شهروند» في عدد أمس، وصحيفة «قانون» عبر موقعها الإلكتروني، تناقلتا تقارير عن تعرض المشردين في المقبرة للضرب من قبل عناصر أمنية. وفي السياق ذاته، ذكرت وكالة «إيسنا» نقلا عن مصدر مسؤول في القضاء الإيراني نفيه تعرض المشردين للضرب وطردهم من المكان، في حين أعربت وسائل إعلام عن استيائها من طرد المشردين بدلا من حل يعالج القضية. على خلاف المواقف الرسمية، وصف محافظ طهران حسين هاشمي المشردين بـ«المدمنين المتجاهرين»، مضيفا أن السلطات نقلت «سكان قبور مقبرة نصير آباد إلى ملجأ للمشردين في ضواحي العاصمة»، نافيا ما تردد عن تعرض المشردين للضرب وقال إن «عناصر الأمن جمعت هؤلاء من أجل إرسالهم للملجأ». في البرلمان، وجهت لجنة الشؤون الاجتماعية تحذيرا إلى وزير الداخلية لمتابعة قضية «سكان القبور» ونقلت وكالة «إيسنا» عن عضو اللجنة محمد رضا بادامتشي قوله إن «المشردين لجأوا للمقبرة وهو المكان الأخير للبشر، ويلتحفون أوراق الكرتون وقطع البلاستيك والملابس المهترئة لحماية أنفسهم من برد الشتاء». وشدد البرلماني الإيراني على أنه بصفته ممثلا للشعب في البرلمان يشعر بـ«العار». وانتقد البرلماني طريقة تعامل المسؤولين في القضية، وقال في خطابه الموجه إلى وزير الداخلية: «أين ذهبت إنسانيتنا في طرد 50 مشردا من ملجئهم الوحيد ونحرم عليهم مترا واحدا من القبر، ما الذي ينتظرهم في هذا البرد والمطر؟». بموازاة ذلك تناول روحاني خلافات حول التصدي للفساد في دوائر السلطة، أحد أهم الملفات البارزة هذا العام في الداخل الإيراني، ووجه رسائل إلى منتقدي سياسته في وقت تتعرض حكومته إلى انتقادات على صعيد السياسة الخارجية والاقتصاد. وجدد روحاني موقفه من صلاحيات الرئيس الدستورية وقال إنه بصفته مسؤولا عن تنفيذ الدستور يطالب بالرد على استفسارات المواطنين الإيرانيين حول ملفات «أهدرت مليارات من الأموال العامة»، محذرا من أن التأخير في ذلك يؤدي إلى خسارة ثقة الشعب ورأس المال الاجتماعي للنظام. وطالب روحاني بالشفافية في ملفات الفساد وقال: «إذا وقعت جريمة وتجاوز كبير والشعب أدرك وقوف مجموعة وراء التجاوز يجب مصارحة الشعب حتى لا تتضرر الثقة العامة». في السياق نفسه، رد روحاني على انتقادات سابقة وجهها رئيس السلطة القضائية الإيرانية، صادق لاريجاني، إلى كل من رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان الإيراني بسبب الصمت على دعوات برلمانية طالبت بفتح تحقيق حول الفساد الاقتصادي في البرلمان. وقال روحاني إن البرلمان يعتبر من الأجهزة الرقابية وإنه دوره التحقيق والبحث والسؤال والاستجواب. ومن جانب آخر، دعا روحاني الإيرانيين إلى الثقة بالجهاز القضائي الإيراني، معتبرا دور القضاء أساسيا في الوقاية من ارتكاب الجرائم، كما حذر من المواقف المسبقة في القضايا الحزبية والفئوية والعرقية، وانطلاقا من ذلك انتقد روحاني وسائل الإعلام المنتقدة له وقال إن «بعض الصحف ووكالات الأنباء والمواقع الخبرية تتمتع بهامش آمن لإطلاق الشتائم والتهم ضد الحكومة»، مضيفا أنها «لا تجرؤ على شتم ونقد الأجهزة الأخرى في النظام لكنها تتمتع بكامل الحرية ضد الحكومة». في غضون ذلك، أشار روحاني إلى تفشي الفساد في النظام الإيراني على الرغم من وجود أجهزة رقابية متعددة في الدوائر الإيرانية، فضلا عن القضاء ووزارات المخابرات ومخابرات الحرس الثوري، وتناول أكبر ملف اقتصادي في السنوات الأخيرة، المقدر بثلاثة مليارات دولار، معتبرا إدارة أحمدي نجاد وراء تجاوزات مالية كبيرة في إيران. وكان روحاني يشير إلى قضية التاجر بابك زنجاني، الذي أصدر القضاء حكما بالإعدام عليه بعد تقديم شكوى من وزارة النفط ضده بسبب رفضه إعادة أموال حصل عليها من بيع النفط الإيراني فترة الرئيس السابق وذلك بعد تطبيق العقوبات الدولية. تشير المعلومات المتوفرة حول ملف بابك زنجاني إلى أنه حصل على رخصة بتوقيع أربعة وزراء في حكومة أحمدي نجاد، من بينهم وزير النفط السابق رستم قاسمي، تسمح له ببيع النفط الإيراني في السوق السوداء، وكان زنجاني من بين الإيرانيين المدرجين على لائحة العقوبات الدولية بسبب انتهاك العقوبات الدولية ضد إيران. وتساءل روحاني عن مصير ثلاثة مليارات دولار حصل عليها التاجر بابك زنجاني من بيع النفط الإيراني في الأسواق السوداء. وكان وزير النفط الإيراني، بيجن زنغنه، في أغسطس (آب) 2014 وجه تهما ضد أربعة وزراء في حكومة أحمدي نجاد بتحويل ملياري دولار من الأموال الإيرانية من حسابات في تركيا إلى حسابات تعود لزنجاني في ماليزيا.