يستخدم السعوديون مصطلح «الطاسة ضائعة» للتعبير عن وجود أكثر من جهة مسؤولة عن أمر واحد، لكن هذا الأمر ضائع بينها. ولعل هذه المقولة تنطبق كثيراً على حال مساجد الطرق السريعة، والتي يفوق عددها السبعة آلاف مسجد. يلاحظ المسافرون ومرتادو الطرق السريعة أو الخارجية في المملكة، أن وضع مساجد هذه الطرق «سيئ ومهمل». وتزايدت الشكاوى من وضع هذه المساجد والمصليات التابعة لمحطات الوقود، التي تتوزع في خطوط السفر الواصلة بين مناطق المملكة، ويتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي بين فترة وأخرى مقاطع وصوراً تكشف جوانب من الإهمال الذي تعانيه تلك المساجد. وشكا مسافرون من تحويل هذه المساجد إلى استراحات للنوم وأماكن لتناول الطعام. ويتكرر المشهد أمام الزائرين في غالبية مساجد الطرق السريعة، في ظل معاناتها من الإهمال في الصيانة، فيما غالبيتها من دون مياه، وسجادها متهالك يعلوه الغبار، فضلاً عن الروائح الكريهة التي تنبعث من دورات المياه، نتيجة شح المياه وانقطاعها عنها. وتخصّص الحكومة بلايين الريالات لإنشاء المساجد وترميمها وصيانتها عبر وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة. فيما تُلزم وزارة النقل محطات الوقود بإنشاء مساجد فيها، ليؤمها المسافرون الراغبون في أداء الصلاة خلال سفرهم، وتكون المحطة مسؤولة عن هذا المسجد. ويقوم مستثمرو محطات الوقود بتأجير مكوناتها، من مضخات وقود، ومحال التموينات، وورش إصلاح المركبات، ومحال تبديل الزيوت، إلى مستثمرين آخرين، فيما يفترض أن يبقى المستثمر الأصلي مسؤولاً عن المسجد. وفي ظل ضعف أو غياب رقابة وزارات: النقل، والشؤون الإسلامية، والشؤون البلدية والقروية، عن محطات الوقود الموجودة في أماكن بعيدة عن المدن، فإن مساجدها أصبحت في وضع لا تحسد عليه خدمياً. حتى أن رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني الأمير سلطان بن سلمان انتقد عدم وجود خدمات في هذه المساجد، وتساءل: «هل يعقل أن مساجد الطرق في بلد الحرمين لا توجد بها خدمة؟»، كاشفاً عن اتجاه الدولة إلى تطوير هذه المحطات. وبيَّن أن الدولة تنظر إلى استراحات الطرق على أنها جزء متكامل من المشروع السياحي الوطني. وأكدت وزارة الشؤون الإسلامية قيامها بجولات ميدانية لمتابعة مدى التزام ملاك المحطات على الطرق السريعة بملحقات المساجد الخدمية، مثل دورات المياه وغيرها. إلا أن مدير فرع الوزارة في محافظة ثار، علي المصعبي، فأوضح خلال مشاركته في برنامج «الثامنة» على قناة «أم بي سي»، أن متابعة أوضاع المساجد في محطات الوقود «ليست من مسؤوليتنا، كونها تقع ضمن مجمعات تجارية، وأن النظام يمنع استلامها». وفي ظل غياب أو ضعف الجهد الرسمي، انطلقت مبادرات أهلية لتحسين وضع مساجد الطرق السريعة، ومنها المؤسسة الخيرية للعناية في مساجد الطرق «مساجدنا على الطرق»، التي تعمل تحت إشراف وزارة الشؤون الإسلامية، والتي باشرت في آب (أغسطس) الماضي، بحملة صيانة 70 في المئة من مساجد الطرق السريعة البالغ عددها نحو خمسة آلاف مسجد. وبنيت رؤية «مساجدنا» على أن تكون مساجد الطرق «نموذجية ومستدامة في خدماتها، من خلال الاعتماد على مواصفات قياسية في أعمالها». وتقوم المؤسسة بتوسعة المساجد، وتهيئتها لإقامة صلاة الجمعة فيها، وإنشاء أقسام للنساء، مجهزة بدورات مياه ومواضئ وتجهيزات خاصة بمتحدي الإعاقة، فضلاً عن الخدمات المساندة. وقال رئيس مجلس إدارة «مساجدنا» تركي الرويبي، أن «المؤسسة أطلقت برنامج التوطين من خلال الاستثمار الاجتماعي»، لافتاً إلى أنه يضمن توفير فرص وظيفية للأسر السعودية في جميع المساجد على الطرق بنسبة 100 في المئة، بالتعاون مع الجمعيات الخيرية في القرى والمحافظات التابعة للمناطق التي تسهل توفير الأسر الراغبة في العمل في مساجد الطرق. ولفت الرويبي إلى أن «مساجدنا على الطرق» تعد الجمعية التعاونية الأولى لتشغيل وصيانة المساجد على الطرق برأسمال خمسة ملايين ريال، وذلك بعد حصولها على ترخيص من وزارة العمل والتنمية الاجتماعية. واستعرض رئيس مجلس إدارة المؤسسة أهم مشاريعهم ومبادرتهم وخططهم المستقبلية، في المؤتمرالعالمي الأول لعمارة المساجد، والذي أٌقيم في الدمام أخيراً. وأكد الرويبي أن المؤسسة تعمل على تنفيذ أكثر من 17 مشروعاً موزعاً في مناطق المملكة. وأضاف أن هناك برامج عدة تقدمها المؤسسة، منها «شريك التميز» الذي يقدم دعماً من المؤسسة إلى الشركات المتخصصة في محطات الوقود على الطرق السريعة، عبر خدمات لوجيستية تستفيد منها الشركات على المدى البعيد، وذلك لعنايتها في المساجد التي تقع داخل المحطات. ورسمياً، أعلنت أمانة المنطقة الشرقية عن الانتهاء من صيانة ونظافة مساجد 36 محطة تبعد من مدينة الدمام نحو 100 كيلومتر على الطرق السريعة. فيما أعلن العام الماضي، كل من «هيئة السياحة» والمؤسسة الخيرية للعناية في مساجد الطرق (مساجدنا)، ووزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة، وجامعة الملك سعود، ودارة الملك عبدالعزيز، والبرنامج الوطني «عيش السعودية»، عن توقيع اتفاقات للعناية في المساجد.