عدم المساواة في المعاملة من جانب المؤسسات المختلفة في بلجيكا، يسهم في وجود جيل من الأشرار لا مستقبل له، حول هذا الصدد دار نقاش شارك فيه زعيم حزب الاشتراكي الفلاماني يوهان جرومبيز الذي أكد على أنه لا مقارنة بين الإرهاب والانحراف إلى طريق الشر والجريمة، ولكن الأسباب واحدة بالنسبة لكل منهما. وخلال اللقاء الذي نظمته صحيفة «ستاندرد» البلجيكية في بروكسل، تركز الحوار حول اللاجئين والاندماج في المجتمع، واتفق جرومبيز مع الرأي القائل بأن اللاجئين أصبحوا جزءا من المهاجرين في المجتمع، وفي هذه الشريحة نرى مشكلات تتعلق بالخروج المبكر من التعليم، والبطالة، والانخراط في عالم الجريمة، والوقوع في براثن التطرف، ويحدث ذلك رغم وجود تحذيرات من 15 عاما من حدوث التطرف. وأشار جرومبيز إلى أن عدم المساواة في التعامل يحدث في المؤسسات ويرى الشباب ذلك، وأوضح أن نقاشات جرت في برلمان بروكسل حول أسباب التطرف، واستضاف البرلمان عددا من الخبراء في هذا المجال، واتفقوا جميعا على أن أبرز الأسباب تتعلق بالتمييز في المعاملة بين الناس في الملفات نفسها ومنها على سبيل المثال في التعليم، حيث يحصل بعض التلاميذ على نصائح مختلفة عن أقرانهم رغم حصولهم على النتائج نفسها ولكن تأتي إليهم النصيحة الدراسية بناء على الأصل أو العرق. وأشار إلى أن الأطفال يواجهون بعد ذلك تمييزا آخر في سوق العمل، عندما يكبرون ويحصلون على شهادات دراسية. ويعتبر حي مولنبيك في بروكسل أكثر الأمثلة على وجود مشكلات تتعلق بالتمييز في التعليم وسوق العمل والسكن، واشتكى سكان الحي في أكثر من مناسبة في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، من هذا الأمر، خصوصا أن الحي يعيش فيه عدد كبير من المهاجرين من أصول عربية وإسلامية. وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط» حول هذا الصدد، قالت سارة تورين عضو المجلس المحلي في بلدية مولنبيك ببروكسل وهي العضو المكلف عن التماسك الاجتماعي والحوار بين الثقافات: «أنا أتفهم مخاوف البعض وفي الوقت نفسه البلدية تقوم بدورها لمساعدة الشباب على إيجاد فرص عمل ومساعدتهم على اكتساب الثقة بالنفس وتغيير وتعزيز الهياكل والبرامج الدراسية حتى تمتلك الأجيال المقبلة الآليات والكفاءات التي تؤهلهم للمستقبل وتحميهم من التطرف». وأضافت مسؤولة ملف الحوار بين الثقافات في مولنبيك لـ«الشرق الأوسط»، أن الحل الوحيد لمواجهة العنف والإرهاب والتطرف هو التعايش السلمي بين الجميع، وأن تلتقي بالآخر والتصدي للأفكار الخاطئة عن الآخر، ويمكن أن نعيش معا رغم الاختلاف الثقافي ونجعل من التنوع والاختلاف شيئا إيجابيا. واعترفت عضو المجلس المحلي في بلدية مولنبيك ببروكسل «المشكلات الدراسية والوضع الاجتماعي الصعب والمعاناة من التمييز كلها أمور تؤكد صعوبة إيجاد فرص عمل خصوصا للشباب، وبالتالي يكونون ضحية للفكر المتشدد واستقطابهم لأمور أخرى ونقول لهؤلاء عليهم اختيار الطريق الصحيح واستخدام أساليب ديمقراطية وقانونية واستعادة الثقة بالنفس والعمل من أجل بداية جديدة، وعلى السلطات أن تساعدهم في ذلك». وبالنسبة لانخراط الجالية المسلمة في المجتمع قالت السيدة تورين: «إذا قلنا إن الأمور تسير على ما يرام فهذا خطأ، هناك بعض السياسات التي طبقت بشأنهم ولم تؤت بثمارها كما أن نصف الشباب من أبنائهم يعاني بسبب البطالة، وبالتالي فإن النشأة في ظل تصرفات عنصرية سواء في التعليم أو معاملة الشرطة غير العادلة تؤثر على الثقة في المؤسسات وانعدام هذه الثقة قد تجعل مجموعة صغيرة من الشباب تتأثر بالفكر المتشدد». من جهته قال الداعية الإسلامي في بروكسل نور الدين الطويل في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن الغرب والدول الإسلامية لديهما مسؤولية مشتركة لمواجهة انحراف الشباب إلى الفكر المتشدد، لأن البعض يرى أن عدم إيجاد حلول عادلة لمشكلات العالم العربي الإسلامي، ومنها مشكلات منطقة الشرق الأوسط خصوصا ما يحدث على الأراضي الفلسطينية سيزيد من اتباع الإرهاب، كما أن الدول العربية والإسلامية عليها أن تعمل من أجل نشر مزيد من العدالة الاجتماعية والحريات، وبالإضافة إلى ذلك فإن الجاليات المسلمة في أوروبا أيضا لها دور يجب أن تقوم به من أجل البناء والتفاهم وإعطاء صورة إيجابية عن الإسلام، وهناك دور مهم للآباء في مراقبة وتوجيه أبنائهم وأيضا للأئمة في نشر الفكر المعتدل. في أعقاب تفجيرات باريس في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي وبروكسل في مارس (آذار) الماضي، وتورط عدد من الشبان من سكان حي مولنبيك في العاصمة البلجيكية في هذه الهجمات، سواء بالتخطيط أو التنفيذ أو تقديم المساعدة لمرتكبي التفجيرات اكتسب الحي سمعته السيئة في جميع أنحاء العالم، حيث بات يوصف بأنه «نواة» أو «الأرض الخصبة» للتشدد والإرهاب في أوروبا. وكانت أبرز الأسماء التي خرجت من مولنبيك صلاح عبد السلام ومحمد عبريني وعبد الحميد أباعود وغيرهم». وتعرضت البلاد لهجمات إرهابية في 22 مارس الماضي شملت مطارا ومحطة للقطارات الداخلية في العاصمة بروكسل، وأسفرت عن مقتل 32 شخصا وإصابة 300 آخرين، وجاءت بعد أشهر قليلة من هجمات العاصمة الفرنسية التي خلفت أكثر من 130 قتيلا ووقعت في نوفمبر من العام الماضي.