في مثل هذا الوقت من العام قبل نحو عشر سنوات، طرق ساعي البريد باب شقتي الباريسية الصغيرة، وسلمني رسالة من منظمة فرنسية تعنى بدعم ذوي الدخل المحدود في دفع إيجار منازلهم. استغربت الأمر حينها وظننت أن ثمة خطأ ما في العنوان، فأنا طالبة سعودية أولاً وأتلقى في ذلك الوقت منحة دراسية من حكومتي تتجاوز الألف يورو، ولا أظن أنني أقع ضمن دائرة مستحقي هذا الدعم، فحاولت الاتصال بشخص مطّلع على القوانين لاستيضاح الأمر. المفاجأة التي كانت بالنسبة لي هي عندما أخبرني صديقي، أن جميع من يقيم على الأراضي الفرنسية مشمولون بهذا الدعم إن كانوا من مستحقيه مهما كانت جنسياتهم، وإنني كطالبة في فرنسا أعتبر بالنسبة للدولة معدومة الدخل، كوني لا أملك عملاً ثابتاً وأتلقى منحة دراسية يمكن أن تنقطع في أي وقت ولأي سبب. الأمر انطبق أيضاً على حزمة من التخفيضات تلقيتها في مناحٍ عدة من حياتي أهمها الصحة والنقل وحتى تذاكر السينما التي كنت أحصل عليها بأسعار زهيدة لتضمن لي ترفيهاً أسبوعياً يناسب ميزانيتي. تلك الطريقة التي عوملت بها منذ وصولي إلى فرنسا، جعلتني أشعر بأهمية التكافل الاجتماعي، هذه الكلمة التي كنت أسمعها كثيراً في بلادنا العربية، لكنني أبصرتها في فرنسا واقعاً على الأرض. بعد عدة سنوات حصلت على عمل ثابت، ورفع عني الدعم، وبدلاً من حصولي على مبالغ شهرية أصبحت من دافعي الضرائب، بل ومن المسارعين في تسديد رسومها كل عام، لا لشيء سوى لأنني أشعر بأن هذا المبلغ المقتطع من دخلي السنوي يذهب إلى مستحقيه، وأن الخدمات الجيدة التي أحصل عليها قائمة أساساً على هذا المبدأ التكافلي الخاضع لأقصى شروط الشفافية. منذ مطلع هذا الأسبوع سمعت كثيراً عن حساب المواطن، وعن التوجه لدعم ذوي الدخل المحدود وتجنيبهم الآثار المترتبة على الخطط الاقتصادية الجديدة، وكل ما أتمناه هو أن ينجح هذا البرنامج والقائمون عليه في إيصال الدعم الى مستحقيه فعلاً وتسهيل آليات الحصول عليه، والنأي به عن أي شكل من أشكال الفساد أو المحسوبيات، وليس عيباً الاستفادة من تجارب دول سبقتنا في هذا المجال، فالنفع حينها سيعود على الوطن قبل المواطن.