كتب: عمار عوض عندما وقف ملياردير العقارات على متن بارجة حربية شاركت في الحرب العالمية الثانية راسية على شواطئ لوس أنجلوس (ولاية كاليفورنيا)، في سبتمبر/أيلول 2015، معلناً رسمياً ترشحه لانتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة ملقياً خطابه الذي خلا من أي ملامح لسياسة خارجية واضحة، وسادته لهجة الاستعلاء وصار يرمي بكلماته النارية يمنة ويسرة، استهان الجميع بأمره لدرجة أن الساسة الأمريكيين بمن فيهم أعضاء حزبه الجمهوري - وصفوه يومها ب الشخصية المسلية، لكن سرعان ما دارت عليهم الدوائر إذ ظل نجمه في صعود متصدراً استطلاعات الرأي في حزبه، ما قاد لأن يحسم الانتخابات الداخلية قبل شهر من موعدها مطيحاً بدهاقنة الحزب الذين ترشح ضدهم، ويفوز ببطاقة الترشح أمام الديمقراطية العتيدة هيلاري كلينتون. رغم استهجان الشعب الأمريكي لتصريحات ترامب المعادية للمسلمين والمكسيكيين، وأحاديثه المبتذلة ضد النساء، ما قاد لحملة كبيرة ضده من الإعلام الأمريكي، الذي لم يخف انحيازه الواضح تجاه منافسته كلينتون التي ظلت متصدرة لاستطلاعات الرأي، ولكن عندما قالت صناديق الاقتراع كلمتها كانت المفاجأة اكتساح ترامب المقاعد الكلية الانتخابية بفارق نحو 60 صوتاً عن منافسته، ويعلن نفسه رئيساً للولايات المتحدة. وللمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة تخرج تظاهرات عارمة في جميع الولايات تندد بفوزه، لكن بعد مرور نحو أسبوعين سلم الجميع بالأمر الواقع. وفي وقت كان الإعلام والمخابرات يتحدثان عن تورط روسيا وتأثيرها على نتيجة الانتخابات مضى ترامب قدماً في تعيين طاقم إدارته الذي غلب عليه رجال الأعمال وجنرالات الجيش وارتباط كثير منهم برجل روسيا القوى بوتين، ما يشير إلى أن رئاسة ترامب ستشهد تنسيقاً بين واشنطن وموسكو، ويظل المجهول هو مستقبل المسلمين الأمريكيين والشرق الأوسط. المسلمون في عين العاصفة تعد الانتخابات الأمريكية الأخيرة، أكثر الانتخابات التي أحدثت شرخاً وانقساماً في المجتمع الأمريكي، نسبة لتصريحات المرشح ترامب، تجاه المسلمين بشكل عام والأمريكيين من أصول لاتينية بشكل خاص، ما قاد إلى خوف حول مصير الحريات والتنوع الذي يجسد الحلم الأمريكي. وأصر ترامب طوال حملته على ضرورة المنع الشامل والكامل للمسلمين من دخول الولايات المتحدة وهو ما أثار الاستهجان، ولكنه عكس من ناحية أخرى سيطرة الخطاب الشعبوي من خارج النادي السياسي الأمريكي التقليدي، إلى جانب تصريحه المثير للجدل بأنه سيبني حائطاً أو جداراً عازلاً مع المكسيك لوقف الهجرة، وظل يطلق لسانه من دون تحفظ ناحية دول مثل الصين وهو يصف علاقتها التجارية مع الولايات المتحدة باغتصاب واشنطن، إلى جانب إثارته مخاوف الأمريكيين لجهة التهاون مع الإرهاب وأنه الوحيد القادر على إيقاف خطره، وهو الأمر الذي جعله مقبولاً لدى الأوساط اليمينية والمتطرفة، إلى جانب طرحه شعار إعادة أمريكا عظيمة مرة أخرى، كل هذه العوامل مجتمعة رغم أنها ساهمت في شق المجتمع الأمريكي لكنها من ناحية أخرى قادت إلى فوزه غير المتوقع، رغم أنه أول رئيس يدخل البيت الأبيض من دون أن يكون سبق له ممارسه السياسة على أي مستوى من مستويات الحكم في الولايات المتحدة. غزل غير مسبوق مع روسيا ظلت علاقة ترامب مع الرئيس الروسي بوتين أو مع روسيا، طوال شهور الحملة الانتخابية، محل جدل، حيث ظل الاثنان يتبادلان الغزل والإشادة بالآخر، في أول سابقة في الانتخابات الأمريكية، باعتباره أنه تواطؤ بين الاثنين ويحط من استقلالية الولايات المتحدة وعلاقة الندية المتوترة بينهما خلال الحرب الباردة، والتي وصلت بعد انتخابه إلى درجة أن تتهم المخابرات الأمريكية روسيا بأنها تدخلت عبر حملات إلكترونية وهجمات قرصنة ونشر وثائق عن الحزب الديمقراطي من أجل إضعافه أمام المرشح ترامب وقتها، ولكنه لم يأبه لذلك وقام بتعيين جنرالات ورجال أعمال مقربين من الكرملين في حكومته،مدشناً عهداً حديداً في العلاقة بين البلدين وخاصة في الحرب على داعش حيث كان ترامب يكرر دوماً خلال الحملة الانتخابية مقولة روسيا تريد التخلص من داعش، نحن نريد أن نتخلص من داعش، لم لا نسمح لروسيا أن تفعل ذلك؟ دعوهم يتخلصوا من داعش. لم علينا أن نهتم.. بحق الجحيم؟. إلى جانب مواددة روسيا لم يخف ترامب طوال حملته الانتخابية تأييده لإسرائيل مؤكداً ضرورة اعتراف السلطة الفلسطينية بإسرائيل كدولة يهودية، ووقف جميع الهجمات ضدها، من جميع الفصائل، ويحاول بشتى السبل استرضاء اللوبي الصهيوني، وسبق له وصف إسرائيل في مايو/أيار 2016، بمعقل الأمل الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط. مؤكداً أننا سنضمن أن تبقى إسرائيل في حالة جيدة جداً إلى أبد الآبدين، إلى جانب تعهده بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس التي وصفها بأنها العاصمة الأبدية للشعب اليهودي، وهو الأمر الذي أثار غضب الشارع العربي وقتها، والذي تحول إلى مخاوف بعد فوزه من أن ينفذ وعده، خاصة بعد تدخله السافر هذا الشهر قبل تسلم منصبه من أجل تأجيل إصدار قرار من مجلس الأمن يدين الاستيطان ويطالب بوقفه فوراً. كما لم يخف تنمره على الصين عندما وصف عجز الولايات المتحدة التجاري مع الصين، ب(الاغتصاب).إذ قال ترامب: لا يمكننا الاستمرار في السماح للصين باغتصاب بلادنا، وهذا ما يفعلونه، وبعد فوزه وضح جلياً أن ترامب ماضٍ في التحرش بالصين حيث أعلن عدم التزامه بسياسة الصين الواحدة بعد أن أجرى اتصالاً بالرئيسة التايوانية، فاتحاً أبواب الاحتمالات على مصراعيها تجاه الصراع في بحر الصين الجنوبي في وقت يبدي الكثيرون قلقهم من أن يتحول هذا التحرش إلى حرب مفتوحة خلال سنوات حكمه القادمة. عداء لإيران مع استفزاز للعرب رغم أن ترامب لم يخف طوال فترة حملته الانتخابية، إظهار عدائه للاتفاق النووي الذي وقعته الدول الكبرى ومن ضمنها بلاده، مع إيران، عندما وصفه بأنه أسوأ صفقة في التاريخ متوعداً بتمزيق الاتفاق فور دخوله البيت الأبيض، وهو ما شرع فيه فعلياً بعد إعلان فوزه، عندما بدأ فريقه الانتخابي بوضع مشروعات قوانين لمعاقبة طهران. من جهة سوريا ظل تفضيل ترامب لبقاء الرئيس بشار الأسد على سدة الحكم، محل جدل كبير خاصة مع وعده المتكرر بأنه لن يدعم المعارضة السورية بالسلاح أو المساعدات، إلى جانب توعده بعدم السماح للاجئين السوريين بدخول الولايات المتحدة والاستمتاع بخدمات الهجرة، وهي التصريحات التي أغضبت الشارع العربي الذي صارت القضية السورية محورية في حياته نتيجة للأزمة التي ولدها النظام السوري وتنظيم داعش، على الرغم من أنه ظل يكرر على الدوام أن معركته الأساسية ليست تغيير الحكومة في دمشق بقدر ما أنه يعتبر أن حربه الأساسية ستكون لمسح التنظيم من الوجود وهو القول الذي أعاده الشهر الحالي بعد هجمات برلين الأخيرة. حملة انتخابية انحدرت بممارستها الأخلاقية ..وترامب يتجاوز فضائحه ببراعة كانت النساء محوراً أساسياً خلال الحملة الانتخابية وظللت صعود ترامب ووصوله إلى البيت الأبيض بظلال سوداء، ليس لارتباطه المستمر بدنيا مسابقات ملكة جمال العالم التي كان ينظمها، وليس بتعدد زوجاته اللائي وصل عددهن إلى ثلاث، وكانت آخرهن قرينته الحالية مالانيا، ملكة الجمال السابقة القادمة من قرية صغيرة في دولة سلوفينيا، التي نبش الإعلام خلف سلوكها الشخصي وحياتها السابقة مركزاً على المخازي التي لازمتها في صعودها من صور تعري وغيرها، ولكن ذلك لم يهز المرشح وقتها زوجها ترامب، الذي ظلت تلاحقه في وسائط الإعلام الكثير من الروايات بأنه لا يبدي الاحترام الكافي للنساء بل وصل القول إلى أنه يحتقرهن وهي النقطة التي ظلت منافسته هيلاري تعزف عليها باستمرار، ووصل الأمر إلى ذروته عندما نشرت صحيفة واشنطن بوست مقطعاً مسجلاً لدونالد ترامب يتلفظ فيه بألفاظ سوقية تحط من قدر النساء وأنه يستطيع أن يحصل على أي شيء منهن، بما أنه شخص مشهور، رغم أن المقطع المسرب كان قبل سنوات طويلة، ولكن فور نشره اهتزت صورته بشكل كبير وتدنى في استطلاعات الرأي إلى مواقع متأخرة جداً عن منافسته هيلاري، ويومها اتفقت جميع وسائط الإعلام الأمريكية والعالمية أن هذه قاصمة الظهر، وأن الطريق صار ممهداً أمام منافسته للوصول إلى البيت الأبيض، لكن مع أو لمناظرة بعد ذلك استطاع إمبراطور برامج الواقع التلفزيونية دونالد ترامب أن يوظف كل خبراته لإقناع الجمهور بأن ما قاله لا يستحق كل هذه الضجة، واستطاع توجيه الأنظار عنها بعيداً وساعدته في ذلك ابنته إيفانكا المحبوبة لدى النساء الأمريكيات والتي لعبت دوراً كبيراً في تحسين صورته، ليصل في آخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إلى البيت الأبيض، بعد الانتخابات التي وصفت حملاتها الانتخابية، بأنها الأسوأ والأحط ألفاظاً وممارسات وقضايا، على مدار الديمقراطية الأمريكية. تظاهرات غير مسبوقة احتجاجاً فور إعلان فوز ترامب بالرئاسة في الولايات المتحدة، سرت نبرات الغضب والاحتجاج والدعوات، في وسائط التواصل الاجتماعي بين المواطنين الأمريكيين، من أجل نزول الناس للشارع للاحتجاج على هذا الفوز، في أول سابقة تشهدها أمريكا طوال ديمقراطيتها، حيث ظلت كرة ثلج الاحتجاجات المناهضة تكبر مع استمرار تدحرجها لنحو أسبوع كامل حيث فاضت طرقات كاليفورنيا وفلادليفيا وبوسطن وبلتيمور وشهدت أبراج ترامب في مدن شيكاغو وفي نيويورك تطويقاً من المتظاهرين وقوات الشرطة التي اعتقلت 50 متظاهراً، من المتظاهرين الذين ارتفع عددهم مع مرور الأيام لنحو 10 آلاف متظاهر. وفي لوس أنجلوس وصل عدد المعتقلين إلى 14 بعد إغلاقهم طريق 101 السريع، كما شهدت بورتلاند أوريغون، وسان فرانسيسكو، مظاهرات مماثلة، وسط هتافات ليس رئيسي وحياة السود هي الأهم ولا للعنصرية، وغيرها من الشعارات التي تجنح لاستخدام لغة القاع والرعاع.