«أدرك في ليلتي الصّاخبة هذه، بأنّي لم أعد أقبل العيش إلاّ بلغةٍ فقد وبمشاعر رثّةٍ وأفكارٍ محايدة وباستشعار بارد أيضاً، غدوتُ كبلدة فصولها خريف وشتاء. فلماذا هذا التحجّر والغلاظة في الكلام، ولماذا تعاندني الدموع، هل أصبحتُ عالم مآسٍ من دون أن أدري؟ ألأنّ قدر الحزانى أن يعتزّوا بصفات مكفهرةٍ كتلك؟. إذاً فقد كنتُ مهيّأً منذ بداية ذلك الأحد الذي ولدتُ فيه إلى هذا الأحد الذي أعيش في ليلته هذه قبل حلول صباحه المقيت...}. لعل هذا المقتبس من رواية {غادرتكِ فلا تذبلي} (صادرة حديثاً عن الدار العربية للعلوم ناشرون) للروائي المغربي هشام فريد بما يتخذ من أبعاد ذهنية متشابكة ومعقدة، يمكّننا من استكناه العلاقات العمودية والأفقية للخطاب التراسلي الذي تدور حوله الحكاية ولا يفتأ السارد – عبر جلّ فقرات الرواية وفصولها الستة – الإشارة إلى سمة النفي الداخلي القسري الذي يخط فجوة عميقة بينه وبين تجليات محيطه الأسري، بما يحملّه من صدمات أقلها الحرمان والمرض والفقد والرحيل. في تظهير الحكاية، يمارس هشام فريد خبرته السردية، بتحكّم واضح بأدواته؛ فيستخدم تقنية الراوي المشارك ليبدو السارد هو أحد أشخاص القصة، معلناً حضوره المطلق، ومؤكداً أنّه أحد المتورطين فيها، وبالتالي هو سارد من داخل الحكاية وأهم أبطالها، وقريب من أحداثها ووقائعها وشخوصها الذين يظهر دور كل واحد منهم في سياق الروي. تنكشف أحداث القصة على لحظة سردية تراجيدية، في حياة البطل، وحيد نادر، تتمثل بوفاة والده نتيجة حادث سيارة، ودخول والدته في غيبوبة ثم الموت، تاركة وحيدها وهو ابن ثماني سنين، فينتقل للعيش تحت رعاية جده، ثم للعيش في بيت خالته التي لديها ثلاث بنات أصغرهن ياسمين، فتنشأ علاقة لطيفة وبريئة بينها وبين نادر. تمرّ السنون فيغادر نادر بلده الأم إلى فرنسا، لمتابعة دراسته، ولدى عودته إلى بلده يعيش في شقة خاصة ويعمل ويتعرف إلى جارته نجوى ويتصادقان بحكم عملهما في شركة واحدة. وبعد فترة تخطب نجوى صديقه سعداً. وفي إضاءة أخرى للأحداث ولحياة البطل يتبين لاحقاً أن وحيداً مصاب بسرطان الكبد، وفي خلال الجراحة يتوقف مؤشر القلب لمدة عشرين دقيقة قبل أن تدب فيه الحياة من جديد، وفي هذه الأثناء يخبره الطبيب أن العلاج الكيماوي لم يعد يجدي نفعاً وأن ثمة مريضاً توفي في ألمانيا ويمكن إجراء عملية زرع جزء من الكبد، ولكن وحيداً يرفض إدخال عضو غريب في جسده رغبة منه في أن يواجه موته صاحياً.