تسهيل... بيئة عمل حكومية نموذجية وخدمة متميزة فسعادة مستثمرين ومواطنين... ونمو وازدهار اقتصادي واجتماعي... بقلم: د. أحمد ذوقان الهنداوي احتجت قبل أيام لإتمام معاملة خاصة بشركتي، مجموعة الهنداوي للتميز، تحتاج لموافقات من خمسة جهات حكومية في دبي... دائرة التنمية الاقتصادية ودائرة الأراضي والأملاك (اللتان تسجلان الشركة وممتلكاتها) ووزارة الموارد البشرية والتوطين وهيئة الامارات للهوية (اللتان تسجلان موظفي الشركة ومعلوماتهم)، بالإضافة لحاجتي لتصديق كافة هذه الموافقات من كاتب العدل في دائرة محاكم دبي. وبالرغم من وجود تطبيق ذكي يمكنني من الحصول على هذه الخدمة متضمنة لكافة هذه الموافقات من خلال هاتفي الجوال، إلا أني فضلت أن أقوم بذلك بالطريقة التقليدية (من منظور دبي) فأذهب بنفسي لتقديم الطلب ومتابعة المعاملة بشكل ورقي... لربما كان هو الفضول والرغبة بالتعلم، أو لربما هو دم المستشار ومقيم تميز الأداء المؤسسي الحكومي الذي يجري في العروق الذي دفعني لذلك... وبغض النظر عن السبب والدافع والمبرر، فهذا الذي كان... كان يوم عطلة أسبوعية، يوم السبت، والدوائر الحكومية يفترض أنها مغلقة، فما كان علي إلا أن أذهب إلى مركز رئيسي للتسوق (مول تجاري) يبعد عن مكان سكني أقل من عشرة دقائق مشيا على الأقدام لأحصل على تلك الخدمة الحكومية!!! خدمة تسهيل هي خدمة حكومية موحدة تجمع بين دوائر حكومة رئيسية في دبي تقدم في مراكز التسوق التجارية الكبرى، وحتى في بعض محطات الوقود، وذلك لكثرة تواجد الناس فيها وخاصة خلال العطل الرسمية وفي أوقات المساء. يذهب المتعامل (المراجع) لها في أي وقت يشاء، أربعة وعشرون ساعة في اليوم وسبعة أيام في الأسبوع، فيجلس على أرائك مريحة ليأتيه أولا من يقوم بتقديم واجب الضيافة من القهوة العربية السادة بتبهيرتها ورائحتها الأخاذة وحبات التمر المجدول الطازجة ويأخذ طلبه من الشراب الساخن أو العصير الطازج المجاني، ومنثم يأتيه الموظف الحكومي المسؤول عن معاملته فيعبئ الموظف للمواطن الطلب ويأخذه مع كافة الوثائق والرسوم المطلوبة، ليحصل الموظف للمواطن بعدها على كافة الموافقات المطلوبة دون أن يتحرك المواطن قيد أنملة عن مقعده فيكمل احتساء قهوته (أو الشاي الأخضر بدون سكر كما كان الحال معي) لحين عودة الموظف بالمعاملة للمواطن وعليها كافة الموافقات المطلوبة... ولأني بطبيعتي لا أستطيع الجلوس لأكثر من دقائق معدودة قررت التجول في مركز تسهيل لأتلمس عن قرب كيف يعمل وأشاهد أطراف المعادلة المختلفة وانطباعاتهم حول ما يجري، وخلال ذلك التقط بعض الصور التي تعزز وتوثق من مشاهداتي... شاهدت مستخدم الضيافة يقوم بتقديم واجب الضيافة للكبير والصغير، المواطن والعربي والأجنبي على حد سواء وبأفضل طريقة... رأيت موظفين مواطنين ومواطنات أكفياء يهرعون إليك والابتسامة ترتسم على محياهم جميعا، ليقدموا لك الخدمة بأعلى درجات المهنية والسرعة والدقة ودون أن تتكبد عناء التحرك من مقعدك. لا يعرفون ولا يفرقون بين وزير وخفير، فخدمة العملاء كافة والعمل على إسعادهم جميعا هو الهدف... شاهدت مدراء من دوائر حكومية عدة يجلسون بجانب بعضهم البعض خلف مكاتب مفتوحة، مفوضين بالصلاحيات لمنح الموافقات اللازمة والاستثناءات إذا ما توفرت المبررات لذلك دون حاجتهم للعودة إلى وزاراتهم ودوائرهم للحصول على هكذا موافقات... لمست بيئة عمل خضراء نظيفة مرتبة مفتوحة ومنارة طبيعيا، أقرب ما تكون لحديقة داخلية منها لدائرة حكومية، تبعث في النفس الشعور بالراحة والسعادة والسكينة والطمأنينة، وأبصرت موظفات وموظفين سعيدين يلعبون البيبي فوت في أوقات فراغهم، وسط منطقة تقديم الخدمة وعلى مرأى من الجميع، ودون إعاقة أو تأخير العمل حيث لم يوجد هناك من يخدمونه. عملهم هذا لم يكن فيه أية مخالفة لأية تعليمات داخلية، بل على العكس تماما، فما كانوا يفعلونه متوافق تماما مع سياسة وتعليمات سعادة الموظفين المعمول بها في الدوائر الحكومية في الإمارة. لمحت جرسا أشبه بجرس الإنذار مع شاخصة توضيحية أسفله تحثك على ضغط الجرس لاستدعاء المدير المسؤول أو من ينوب عنه في حال عدم تلقيك للخدمة المطلوبة بما يلبي ويفوق توقعاتك. وأصدق القول بأن شيطاني الداخلي وسوس إلي للضغط عليه، وألح علي في وسوسته، لأرى ماذا سيحدث، وفيما إذا كان المدير سيحضر أم لا، إلا أني لم أستطع. فكيف لي أن أفعل ذلك وأنا أشاهد من حولي كل الذي أشاهده... أبصرت شاشة للتصويت الالكتروني تحثك على بيان مدى شعورك بالسعادة عن الخدمة التي قدمت لك ضمن ثلاثة درجات، سعيد أومحايد أوغير سعيد. فمؤشر السعادة هو مؤشر أداء رئيسي مستحدث لكافة الدوائر الحكومية في دبي يتم متابعته من قبل القيادة العليا لحكومة دبي، ويتم بناء على نتائجه تطبيق الثواب والعقاب على قيادات الدوائر الحكومية والمعنيين فيها، فتراه بذلك شغلهم الشاغل وهدفهم الأسمى والأهم الذين يسعون إلى تحقيقه... ولم تلبث أن تمضي عشرون دقيقة حتى جاء لي الموظف حاملا بيديه معاملتي وعليها موافقات أربعة دوائر حكومية ومصادقة كاتب العدل عليها قائلا وابتسامة خجولة تعلو محياه : تفضل سيدي وأعتذر عن التأخير... فالنظام الالكتروني كان بطيئا اليوم لربما لكثرة الضغط عليه اليوم!!!!!!!!! دخلت المركز في العاشرة وخمسة دقائق صباحا، وغادرته حوالي العاشرة والنصف بعد الحصول على موافقة خمسة جهات حكومية...غادرت والابتسامة ترتسم على وجهي، وتأكدت من توثيقها بالضغط على سعيد على شاشة مقياس السعادة قبل مغادرتي. شعور بالسعادة ممزوج بالشعور بالذهول على ما شاهدت ولمست... فإحدى عشر عاما من العمل الاستشاري والتدريبي المتخصص وفي تطوير وتميز الأداء المؤسسي الحكومي في الوزارات والدوائر الحكومية في دبي ودولة الإمارات العربية المتحدة، واطلاعي المتعمق بحكم التخصص والعمل على تفاصيل هذا الأداء المتميز، لم تشفع لي ولم تفد في تحجيم وتقنين مدى شعوري بالذهول والإعجاب لمدى تجذير ثقافة التميز فيها وتقديمها لخدماتها للمواطنين بشكل أفضل بكثير مما يتوقعون ويطلبون. هذه دبي... الإمارة العربية القدوة التي اعتمدت على الارتقاء وتميز أدائها المؤسسي الحكومي كاستراتيجية أساس لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة فيها... فقناعتها الصائبة لطالما كانت وما زالت بأن كافة جهود جذب الاستثمارات الأجنبية وتنمية الاستثمارات الوطنية وتشجيع الصادرات الوطنية فتحقيق التنمية ومحاربة الفقر والبطالة لن تكون ناجعة وفاعلة ولن تؤتي أكلها إذا لم تستند إلى بيئة عمل حكومية متميزة يقودها أكفياء ويعمل فيها موظفون سعيدون يقدمون خدمات متميزة تفوق توقعات ومتطلبات المتعاملين فتحقق بذلك سعادتهم. فيكون بذلك تميز الأداء الحكومي هو المحرك الرئيس للتنمية الاقتصادية والإجتماعية الشاملة والمستدامة في أية دولة. هي دبي... النموذج العربي والعالمي الأنجح لتميز الأداء الحكومي فتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية ... تمد قيادتها يدها لأشقائها للإفادة من تجربتها... فطوبى القيادة وطوبى التجربة... فهل من مستجيب؟؟؟!!!