لاشك أن أمام الرئيس محمود عباس الكثير ليقوله للرئيس الأمريكي باراك أوباما في لقائهما المقرر اليوم في البيت الأبيض ، خاصة وأن ليس لديه ما يخسره ، لاسيما وأنه يتسلح هذه المرة بدعم غير محدود من شعبه، وإصرار كبير على رفض الشروط والضغوط والإملاءات الأمريكية والإسرائيلية ، وهو ما اتضح بحسمه الجدل خلال اجتماع المجلس الثوري لحركة فتح عشية الزيارة بقوله إنه بلغ التاسعة والسبعين من العمر، وهو ما يمنعه من أن يختتم حياته بخيانة القضية الوطنية، في إشارة إلى استحالة أن يوقع على «اتفاق إطار» لا يلبي المطالب الوطنية الفلسطينية ، وهي رسالة حملت الثوابت الفلسطينية التي تذكر بلاءات الراحل الرئيس عرفات : لا ليهودية الدولة، لا لبقاء أي جندي إسرائيلي على الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967، لا لإلغاء حق العودة، لا لاستمرار الاستيطان، لا لبقاء القدس عاصمة موحدة لدولة إسرائيل. لذا يخطىء من يعتقد أن أبو مازن سيرضخ للضغوط المتوقع أن يمارسها أوباما على أبو مازن خلال الزيارة بالتلويح بسلاح الدعم المالي . فأوباما يعلم جيدًا أن صبر الفلسطيينيين نفد ، وأن أبو مازن منح عملية السلام الفرصة تلو الأخرى ، والتزم بأسسها وشروطها دون أن يجد ذلك أي صدى لدى إسرائيل التي تعتبر انتهاكاتها للقانون الدولي وللحقوق الفلسطينية من مقدساتها التلمودية التي ينبغي على العالم القبول بها . بالطبع ، فإن الرئيس أوباما في موقف لا يحسد عليه ، ولم يعد مستغربًا أن يرضخ للشروط الإسرائيلية التي يعرف انها تخرج عن إطار الشرعية الدولية وقراراتها ومرجعياتها . فهاهي روسيا تتقدم في شبه جزيرة القرم دون أن تحرك أمريكا العظمى ساكنًا ، وهو ما دفع أحد خبراء السياسة الأمريكية إلى القول إن أوباما أضعف رؤساء الولايات المتحدة منذ الرئيس كارتر ، وذهب أبعد من ذلك بقوله إن كارتر قد يغضب من هذه المقارنة. ولو قارنا موقف الرئيس الأمريكي الآن وموقفه من أزمات القرم وسوريا والقضية الفلسطينية بموقف الرئيس الأسبق جون كيندي من القضية الفلسطينية وأزمة الخنازير في كوبا عام 62 لأدركنا الفرق بين زمنين ورئيسين وأمريكتين . أما لو قارنا الرئيس أوباما بالرئيس الأمريكي الأسبق أيزنهاور لأدركنا الفرق الشاسع ، ذلك أنه ليس من الصحيح أن إسرائيل انسحبت من سيناء وقطاع غزة عام 1956 بسبب الإنذار الروسي الشهير الذي وجهه بولجانين لبن جوريون ، وإنما الأصح القول إن الانسحاب تم بسبب التهديد الأمريكي الصارم لتل أبيب . الواقع إن أمام أبو مازن فرصة سانحة توفرها الظروف السياسية الصعبة التي يواجهها أوباما الآن ، بأن يقابل ضغوط أوباما بضغوط الإرادة الوطنية للشعب الفلسطيني الذي يمثله في هذا الاجتماع ، من خلال تفعيل الخيارات والبدائل التي طالما تحدث عنها ، بدءًا من رفض تمديد المفاوضات حتى نهاية العام ، وحتى الإعلان رسميًا عن موت السلطة الفلسطينية مرورًا بطلب عضوية المنظمات المنبثقة عن الأمم المتحدة التي يوفرها الوضع الفلسطيني الجديد في الأمم المتحدة بما في ذلك محكمة لاهاي ، والعودة إلى نهج الانتفاضة ، وذلك استنادًا إلى فرضية أنه من الصعب على أوباما القبول بخسارة جديدة في الشرق الأوسط بعد خسارته معركتي سوريا والقرم .